اذهب إلى المحتوى

التوتر الصحي في فِرَق المنتجات


أسامة دمراني

إن الناظر إلى فِرَق المنتجات داخل الشركات يراها عبارة عن فوضى من الدوافع والمشاعر البشرية ينتج عنها شد وجذب وتوتّر في تلك الفِرق، غير أن هذا التوتّر يمكن تقليله إن استطعنا تحويله إلى قوى متنافسة تزيد من فعالية أعضاء الفريق الواحد، حيث يمكننا حينها إزكاء هذه الدوافع والمشاعر بما أنها تحوّلت إلى عنصر من عناصر نجاح الفريق، وعندها لا يكون التوتّر في الفريق صحيًا، بل أمرًا أساسيًا ﻻ بد منه.
أفكر كثيرًا في أشكال هندسية بسبب طبيعة عملي كمصمم منتجات، لذا أرى أن معظم المشاكل التي واجهناها في تطوير منتجنا يمكن تشبيهها بمثلث بسيط، قد تؤذيك حوافّه إن لم تنتبه لها، لكنّ تلك الحواف يمكن تهذيبها وصقلها إلى عوامل تنافسية، فلعلك سمعت بالمقولة الشهيرة في تخطيط المنتجات: جيد، سريع، رخيص .. اختر اثنين فقط.
وقد يصلح تطبيق هذه المقولة في المشاكل البسيطة التي يمكن حلها بخيارات قطبية: نعم أو لا، أَطلق منتجًا جديدًا أو كرِّر الحالي، ألغِ المشروع أو أعِدْ صياغته. لكن المشاكل المعقدة تجعل بعض العناصر مبهمة ومتناقضة أحيانًا حتى مع المحاولات الحثيثة لتبسيطها وفهمها، فلا تستطيع حلّها بمجرد الاختيار بين أمرين، وسترى أن حلها غالبًا يكمن في تمثيلها على هيئة مثلثات.

استخراج القوة من التوتّر

ساعدت صديقًا لي من قبل على بناء قُبَّة جيوسيدية، حيث كان من عادتي إنجاز مشروع جانبي في كل صيف، فخططنا سلسلة من الدعامات والمحاور ثم قطّعنا الوصلات على أساسها ثم جمعنا فريقًا وبنينا القبة من تلك الوصلات والدعامات.
والقُبّة الجيوسيدية إن لم تكن قد سمعت عنها، هي بناء من مثلثات (أو أي مضلعات أخرى) متشابكة، واشتهرت عن طريق بكمنستر فولر Richard Buckminster في خمسينات القرن الماضي، وتبنّتها الثقافة المضادة في منطقة خليج سان فرانسيسكو في كارولينا الشمالية كصورة لفكرتهم عن المباني الهندسية الجميلة، إذ يبدو أن المجموعات الهيبية تحب القباب! لكن تبيّن أيضًا أن تلك المجموعات كانت تميل إلى البساطة، وقد طبقوا نفس المبادئ في تصميمات الحواسيب التي أراد العديد منهم تصميمها.
ويمكن أن تصنع قبة من الخشب أو الصلب أو الورق المقوَّى أو أي شيء وبتركيبات مختلفة أيضًا، لكن المذهل في تلك القباب أن شكلها المتناسق يعطيها توازنًا وثباتًا سمّاه فولر “tensegrity”، فتستطيع القبة تحمُّل وزن عدة أشخاص دون أن يتأثر أو يتشوّه هيكلها ، عبر ترتيب الدعامات بشكل متوازن، فيتشكل بناء قوي تتدافع أجزاؤه شدًا وجذبًا بقدر يحقق ثباته البناء ككل، لكن هذا ينجح فقط إن رُتِّبت العناصر المفردة بالشكل الذي يحقق ذلك التوازن.

التعارض حين يكون مفيدًا

يظن البعض أن التعارض أمر يجب تجنبه في الثقافة الحالية للشركات القائمة على العمل بتناغم في الفِرَق، فمن يرغب في العمل مع زميل شرس على أي حال؟ لكنّ ربما غاب عن هؤﻻء أن الفريق ما هو إﻻ علاقات بين مجموعة من البشر، وإن لم يكن ثمة ضغط ورغبة في دفع أفراده بعضهم بعضًا كي ينفّذوا مهمتهم بشكل أفضل فإن الكفاءة ستكون أولى الضحايا في مسيرتهم، فالفريق الذي ﻻ يدفع بعضه بعضًا نحو التميز والكفاءة سينهار سريعًا.
ويتجلى هذا الأمر في الثلاثية المعتادة في فِرَق المنتجات: المصمم، مدير المنتج، والمهندس. فكل واحد من هؤﻻء الثلاثة لديه مهارات مختلفة، وينظر للمنتج من منظور مختلف، كما أن لديه دوافع مختلفة أيضًا. فالمصمم الجيد يريد حلًا ﻻمعًا وأنيقًا، بينما يريد مدير المنتج أن يحل المشكلة الأبرز التي تواجههم ويجعل منتجهم سريعًا، أما المهندس فيريد حلًا كفأً ويمكن صيانته وتعديله في ما بعد في نفس الوقت.
وقد يكون أولئك الثلاثة يجيدون ما يفعلونه، لكن ليس إلى درجة التميز والإحسان، فالفِرق الممتازة هي التي يتعدى أعضاؤها مهامهم إلى مهام زملائهم، فالمصمم المتميز هو الذي يشارك في تخطيط مستقبل المنتج، كما يجب أن يهتم المدير بالتفاصيل التي سيضعها المهندس في المنتج، وسينظر المهندس المتميّز بعين المصمم ليُخرج منتجًا كفأً وجميلًا في نفس الوقت. وهكذا، فإنهم جميعًا يتعاونون على مهامهم. وقد يتطلب هذا أحيانًا أن يعارض أحدهم زميله قائلًا “ﻻ أظن أن هذا هو الحل المناسب”، أو “يمكن تحسين هذا الحل عبر كذا وكذا”.
وقد يحتاج هذا الأسلوب أحيانًا إلى مواجهة زميلك وصديقك ببعض الحقائق الصادقة، إذ يجب تنحية اﻷنَفَة والكِبْر جانبًا وإعلاء الثقة مكانهما، وهذا ليس بعسير على الفريق الناضج أفراده، حيث يتعاونون فيما بينهم وﻻ يرضون بتوقيع أسمائهم على شيء حتى يطمئنوا إلى أنه بلغ مرتبة التميّز.

القدر المناسب من التوتّر

قد ذكرت في أول المقال أن التوتّر عنصر أساسي في الفريق، لكن قد يصبح الفريق غير مستقر إن لم يوجّه أعضاء الفريق ذلك التوتّر بشكل سليم تجاه إخراج المنتج في أفضل صورة ممكنة، وتذكِّر هيكل القُبّة الذي شرحناه قبل قليل، فسينهار الفريق إن لم تتعادل قوى الشد والجذب بين الفريق أو إن لم تكن في اتجاه تحسين بعضها بعضًا، تمامًا كما ستنهار القُبّة تحت أي ضغط أو وزن إن لم يكن الهيكل متوازنًا وكانت الدعامات ﻻ تحمل وزن بعضها بعضًا بشكل صحيح ومتناسق.
فالمقدار المناسب من التوتّر بين الفريق هو الذي يجعله قادرًا على حل المشاكل المعقدة في نفس الوقت الذي يحافظ فيه الفريق على وحدة أفراده وترابطهم.

ترجمة - بتصرف - للمقال Healthy tension in product teams لصاحبه Emmet Connolly.

حقوق الصورة البارزة محفوظة لـ Freepik


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...