اذهب إلى المحتوى

الذكاء العاطفي والقيادة: العراب نموذجًا


هند هجرس
الذكاء-العاطفي.jpg

بينما كان بيتر كليمنزا يغسل سيارته الكاديلاك الزرقاء، إذ تأمل الموقف واستعاد شريط (مسار) الأحداث؛ تعابير وجهه كانت توحي ببعض الغلظة مع بولي كما لو لم يكن سعيدًا بوجوده، ومع شخص حسّاس وشكّاك مثل جاتو، فهذا سوف يتسبب في إقصائه أو على الأقل سيتركه في حيرة من أمره. الألفة المفرطة ستجعله يتحفّظ في التعامل معه، ولكن بالطبع الغلظة لا يجب أن تتحول غضبًا عارمًا، إنما أن تتمثل في بعض التجاهل كنوع من الاستفزاز. ماريو بوزو - فيلم The Godfather.

عندما بدأت مؤخرًا في قراءة رواية "The Godfather" لماريو بوزو (أعلم أنه كان يجب عليّ قرائتها من قبل)، أذهلني الذكاء العاطفي الذي قدّمته الشخصيات في الرواية .

كان جليًا بالنسبة لي أنّ فيتو كورليوني كانت لديه قدرة فريدة على معرفة معادن البشر، وفهم مشاعرهم وعواطفهم. لكن لم أكن أتوقع أن كل هؤلاء الصبية لديه، البسطاء الأمريكان الإيطاليون غير المتعلمين، سيكون لديهم نفس القدر من الفهم أيضًا.

الأمر ببساطة، أنه في عالم حيث كل قرار هو قرار حياة أو موت، لا يُسمح لهم بارتكاب أي خطأ، لأنه قد يكون الأخير. كانت القدرة على قراءة البشر ومتابعة الإيماءات والتعبيرات لمعرفة نواياهم ودواخلهم، شيئًا أساسيًّا لمتابعة أعمال العائلة؛ تمامًا كالحيوانات، التي عليها أن تتكيف مع البيئة المحيطة وتطور من حواسها؛ كان على هؤلاء الناس أن يُطوروا من ذكائهم العاطفي من أجل البقاء.

اليوم، أود أن أوضّح كم ساعد الذكاء العاطفي فيتو كورليوني في أن يُصبح "دون" المدينة. هذه النصائح من دون كورليوني سوف تساعدك في أن تصبح قائدًا أفضل ومديرًا أفضل ورائد أعمال أفضل.

الذكاء العاطفي والقيادة - نموذج دون كورليوني

دعنا نتحدث بدايةً عن الذكاء العاطفي، وفقًا لتعريف بيتر سالوفي وجون ماير؛ الذكاء العاطفي هو القدرة على التعرف على عواطفك والتحكم بها (على سبيل المثال: ألّا تنفجر غضبا عندما تشعر بالضيق)، بالإضافة إلى أن تشعر بالآخرين وتتفهّم عواطفهم.

فإذا كنت مديرًا، أو قائد فريق، أو صاحب عمل، وتفتقر للذكاء العاطفي، فلن تكون قادرًا على تحفيز فريقك أو الاندماج مع الآخرين، كما سيؤثر ذلك بالسلب على التواصل والحالة المعنوية وروح الفريق بين زملاء العمل.

وكما أشرت في مقال سابق "مواصفات القائد الرائع: كيف تصبح قائد عمل جيد"، القائد يجب أن يؤثّر على الآخرين ويسعى إليهم والقائد يكون كذلك، بأن يصبح قدوة لزملائه وأن يُشارك رؤيته معهم.

كما ترى، الذكاء العاطفي في القيادة هو مفتاح النجاح. لكي أكون صادقًا، إنّ تعلُّم كيف تتحدث مع الآخرين وتفهم مشاعرهم هو شيء صعب، ولكن لحسن الحظ كل شيء قابل للتعلم إذا أعطينا أنفسنا بعض الوقت. لنبدأ بدروس فيتو كورليوني.

القاعدة الأولى: العمل عمل - استخدم الحجة أكثر من العاطفة

لا تغضب. لا تُهدّد. جادل الناس بالمنطق

عملت في دول مختلفة مع شعوب مختلفة، ولاحظت أن المشكلة الأولى في أي عمل هي الصراعات الشخصية.

من الجلي أنك ستلتقي بجميع أنواع الشخصيات في هذا الوعاء المسمى مكتب العمل، وأنك ستحب بعضهم وتكره البعض، هذا هو الشيء الأول؛ أما عن الثاني، فهو أنّ الناس غالبًا ما يجلبون كل مخاوفهم إلى العمل، ويأخذون كل فشل أو خطأ على محمل شخصي.

كقائد جيد، يجب أن تكون مثالًا على فصل العمل عن الحياة الشخصية، وأنا لا أعني هنا الإنعزال بهذا عن ذاك، ولكن أعني أن تحتفظ بعواطفك لما بعد العمل، تمامًا مثلما فعل دون كورليوني. تعقّل ولا تندفع نحو الغضب ولا تنجرف للإشاعات وتأكد من عدم وجود أي سوء تفاهم بين فريق العمل.

وأهم من ذلك كله هو أن تحافظ على هدوئك في جميع المواقف.

مثال عملي

إن لاحظت مثلًا أن محمد أخطأ في تقريره للمرة الثالثة، وبالتأكيد أنت منزعج من ذلك ولكن عليك أن تنتظر حتى تهدأ. لا تخاطبه أمام الجميع بل أطلب منه أن تُحّدثه على انفراد وبدلًا من أن تخبره "لقد أخطأت ثانيةً" قل:

محمد لقد لاحظت أن هناك بعض الأخطاء المتكررة في التقرير وأود أن أسألك إذا ما كان هناك أي شيء أستطيع مساعدتك به حتى نتجنب هذه المشكلة في المستقبل.

أنت بهذا تخبره أنك لاحظت خطأً ما ولكن بدلًا من معاقبة محمد، تعرض عليه المساعدة. في هذه الحالة إذا كان محمد يعاني فعلًا من مشكلة أو يحتاج مساعدة، فسيخبرك على الفور دون خوف بمجرد أن تعرض عليه ذلك،. أما إذا كان يتكاسل فقط عن مراجعة التقرير، فعرضك هذا غالبًا سوف يشعره بأنه أحمق.

القاعدة الثانية: كل مشكلة قد تُحل دون صدام

بين العقلاء، توجد حلول لجميع مشاكل العمل

بقدر ما هو من السهل أن تبقى هادئًا خلال يوم عمل تقليدي في مكتب العمل، من السهل أيضًا أن تفقد صوابك عندما يفشل مشروع مهم في عملك. في موقف كهذا، من السهل جدًا أن تغضب وتبدأ بالبحث عن المخطئ لمعاقبته.

ولكن دعنا لا ننسى القاعدة الأولى: المنطق فوق (مُقدّم على) العاطفة. هل سيكون الأكثر نفعًا للعمل البدأ بالبحث عن المخطئ لمعاقبته، أم أنّ الأفضل قضاء هذا الوقت في تحديد كيفية حل المشكلة والبدء في تنفيذ هذا الحل.

عندما تبدأ بالصياح وتفقد أعصابك، سيبدأ فريق العمل في اتخاذ مواقف دفاعية وإلقاء اللوم على بعضهم البعض. في الحالات الطارئة، تحتاج أن يتصرف زملاؤك كفريق والبدء في إيجاد حلول للمشكلة سويًا. حيث من الأنفع لك أن تحل المشكلة في هدوء بدلًا من ملاحقة المذنب.

مثال عملي

عندما كنت أعمل في وظيفتي السابقة، حدث أن أزيلت حسابات 1000 عميل لدى إدارة العلاقات العامة عن طريق الخطأ. هذا بالطبع سيء للغاية، ولكن الأسوء من ذلك أنّ النظام قام بجدولة 1000 رسالة توديعية عبر البريد الإلكتروني لكل العملاء. لحسن الحظ، كان قائد فريقي رجل عقلاني، فعندما اعترفت له بما صنعت، رمقني بنظرة استياء وقال "أعطني قائمة بأسماء هؤلاء العملاء".

وبمجرد أن حصل على القائمة، طلب أن نعقد اجتماع عمل لمدة 5 دقائق شرح فيه ما حدث دون أن يطلق حكمًا على ما فعلت، ثم قام بتوزيع قائمة مهام علينا تنوعت بين أن يقوم بعضنا بإضافة أسماء العملاء بطريقة يدوية، والبعض الآخر كانت مهمته أن يقوم بإلغاء جدولة الرسائل التوديعية. تم حل المشكلة الطارئة في غضون أربع ساعات، ولم يكتشف أحد غيرنا ما حدث.

برغم أنها الآن تبدو مجرد قصة بسيطة نوعًا ما، لكنها لم تكن كذلك في حينها، وإذا لم يكن قائد الفريق مدركًا لعدم جدوى أو فاعلية التنفيس عن غضبه في وجهي، لما عرف أحد كيف كان سيتم حل هذا الموقف.

القاعدة الثالثة: لا تخن ثقة أحد

جميعنا نبلاء هنا ولسنا في حاجة لنأخذ على بعضنا ضمانات كما لو كنا محامين

كان الشيء الرائع في العرّاب أنه إذا قطع على نفسه عهدًا، فلا شيء يثنيه عن الوفاء به، حتى عندما تقرّب منه شخص قلل من إحترامه سابقًا برفض صداقته، وافق هو على أن يسدي إليه معروفًا. يا له من رجل نبيل، أليس كذلك؟

إذًا، الفكرة هي أنّ كل شخص يعمل معك يجب أن يعلم أنه إذا تقرّب منك، فسوف تعامله على الطريقة الكورولينية:

  • تتعامل معهم باحترام.
  • تستمع إليهم باهتمام دون إطلاق أحكام.
  • إذا وعدت بفعل شيء، ستفي بوعدك.

المدير السيء يعتقد أن سياسة العصا والجزرة تجعله بارعًا في عمله، بينما يرى القائد الجيد أن الوفاء بالكلمة هو شيء جوهري للحفاظ على ثقة زملائه.

لا يوجد مثال هذه المرة بل نصيحة ثمينة فقط!

عندما تقطع وعدًا لموظف أو زميل، تحتاج أن تتأكد أنه فهم ظروف تنفيذ هذا الوعد. مثلًا، إذا أخبرت محمد أنه سيحصل على علاوته عندما يُطوّر من إنتاجيته، تأكد من أن تكونا متفقين على ما قصدته بذلك.

فقد يعتقد محمد أنك ستعطيه علاوة إذا سلمك التقارير القادمة بلا أخطاء، بينما قصدت أنت أنه بارع كفاية لتقديم تقرير إضافي كل أسبوع، لذا تأكد من أنه يعلم بوضوح متى قد تفي بوعدك.

العظماء لم يولدوا عظماء بل نشأوا على ذلك وصف ماريو بوزو فيتو كورليوني بأنه "حارس أعمال العائلة" الذي يستطيع دائمًا التحكم باستجابته العاطفية. لقد اشتُهِر بحلوله المنطقية ولم يحكم مطلقًا على أحد أو يتصرف قبل أن يرى الصورة كاملة، وكان رحيمًا بمن يطلبون مساعدته ودائم الحفاظ على كلمته إذا ما وعد بشيء.

وبرغم أنه لا يجب أخذ فيتو كورليوني كمثال يحتذى به عندما نتكلم عما قد نسميه "أخلاقيات العمل"، لكن ذكائه العاطفي يجعله مثالًا للقائد المحترم والمُلهم.

لهذ، حتى لو لم تكن تتحدث اللغة الإيطالية ولم تقرأ الرواية أو لم تشاهد الفلم، خذ بعض الوقت للتدرب على الإقناع وفهم المشاعر وجلب الهدوء والطمأنينة إلى مكان عملك، وسوف ترى سريعًا كيف أنّ زملاء العمل بدأوا في وضع ثقتهم بك واحترامك وأصبحوا أكثر إقبالًا على العمل.

ترجمة وبتصرف للمقال Emotional Intelligence in Leadership: The Godfather Way لصاحبه Justyna Polaczyk


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...