اذهب إلى المحتوى

إدارة التكنولوجيا والابتكار في المؤسسات


هيفاء علي

مع وصولنا إلى نهاية رحلة مقالاتنا الفريدة عن مبادئ الإدارة سنختتم بأحد أهم أركان نجاح المؤسسات في وقتنا الراهن ومستقبلنا القادم، ألا وهو إدارة التكنولوجيا والابتكار. جميع المؤسسات بلا استثناء منذ بداية نشوئها ومع استمرار تقدّمها ونجاحها ستصل إلى حافّة لا مجال للتقدّم بعدها سوى بابتكار شيء جديد وتقديم أمر فريد لسوق العمل، وفي سبيل الوصول لذلك التميّز لا بُدَّ من استثمار التكنلولوجيا العصريّة مع إدارة مثاليّة لعناصر الابتكار والابداع المرتبطة بأي مُنتج أو خدمة ستقدّمها المؤسّسة.

سنستعرض في المقالات التالية مفهوم إدارة التكنولوجيا والابتكار وما مصدر أهميتها في نجاح المؤسسات، سنسلّط الضوء أيضًا على كيفية تطوير المؤسسات للتكنولوجيا والابتكار في بيئة عملها، وسنتطرّق إلى المصادر الداخلية والخارجية لتطوير التكنولوجيا، بالإضافة إلى ذلك سنقدّم شرحًا مفصّلًا عن دواعي تطوير مهارة إدارة التكنولوجيا والابتكار لدى روّاد الأعمال وما هي المهارات المطلوبة للنجاح في هذا المجال، وسنختتم مقالاتنا بنقاط ذهبيّة حول التخطيط للمستقبل من أجل مواكبة التطوّرات التكنلوجيّة المتسارعة.

استكشاف المهن الإدارية: شركة آيسر

كيف أصبحت شركة آيسر منافسًا عالميًا في مجال الأجهزة والبرمجيات والخدمات الحاسوبية؟

هل تظنُّ أنَّه سيُعجبك الحصول على وظيفة في المجال التقني؟ إليك نبذة عن تاريخ شركة آيسر (Acer) من شأنها أن تزوِّدك برؤية عميقة عن هذا المجال. لقد تأسَّست مجموعة آيسر في عام 1976، وتضمُّ قائمة العلامات التجارية التابعة لمجموعة آيسر كلًّا من آيسر، وجيت واي (Gateway)، وباكارد بيل (Packard Bell)، وإيماشينز (eMachines).

من الجدير بالذكر أنَّ استراتيجية شركة آيسر في تعدُّد العلامات التجارية أتاحت لكل واحدة من هذه العلامات التجارية استهداف احتياجات مختلفة للزبائن في سوق الحواسيب الشخصية على مستوى العالم، وقد كانت شركة آيسر في عام 2008 ثالث أكبر مُصنِّع للحواسيب الشخصية (وثاني أضخم مُصنِّع للحواسيب الدفترية) بعائدات تجاوزت 16 مليار دولار، وقد احتلت في عام 2017 المركز السادس في صناعة الحواسيب الشخصية وتجاوزت عائداتها 70 مليار دولار.

أثبتت هذه الشركة التايوانية أنَّها أهلٌ للمنافسة في السوق العالمية للحواسيب الشخصية واقتحمت أيضًا مجال الألعاب ومجالات عمل أخرى مرتبطة بالتكنولوجيا، وقد حقَّقت هذه المكانة من خلال حُسن استغلال التحالفات وعمليات الاستحواذ، بالإضافة إلى التخطيط والتطوير المستمر داخل الشركة.

تاريخ الشركة

تأسَّست شركة آيسر في عام 1976 تحت اسم مالتيتيك (Multitech)، وقد كانت تُركِّز على التجارة وتصميم المنتجات (الابتكار الداخلي)، وصمَّمت بعد ثلاث سنوات فقط من تأسيسها أول حاسوب أُنتج بكميات كبيرة في تايوان. كان تركيز الشركة منذ البداية يتمحور حول تصميم منتجٍ قابل للتصدير؛ إذ كانت تدرك أنَّها بحاجة إلى إثبات وجودها في سوق الحواسيب على مستوى العالم؛ لأنَّ تايون ما هي إلَّا سوقٌ صغيرة لا تتّسع لعملاقٍ تكنلوجي مستقبلي. تتمثَّل رسالة شركة مالتيتيك (Multitech) -التي تحوَّل اسمها إلى آيسر في عام 1987- في السماح لأي شخص باستخدام التكنولوجيا والاستفادة منها، وقد عملت على بناء سمعتها من خلال تطوير وتصنيع منتجات متطوِّرة وسهلة الاستخدام.

الابتكارات الأولى

استحوذت شركة آيسر في عام 1990 على شركة التوس بيرفيرالس (Altos Peripherals)، وكانت هذه الخطوة بداية انطلاقة لعقدين ناجحين من التحالفات والاستحواذات؛ إذ أدَّى نجاح شركة آيسر في تطوير عدد من الابتكارات إلى رغبة الشركات الأخرى في إقامة أنواع مختلفة من التحالفات معها، وقد مهَّدت بعض تحالفاتها الأولى لها الطريق لإقامة شراكات مع كُبرى الشركات الرائدة في مجال تكنولوجيا الحاسوب في عصرها، على سبيل المثال:

  • في عام 1996، وقَّعت شركة آيسر على اتفاقية ترخيص براءات اختراع مشتركة مع شركة أي بي إم (IBM) وشركة إنتل (Intel) وشركة تكساس إنسترومنتس (Texas Instruments)، وتتيح هذه الاتفاقية لكلّ من هذه الشركات استخدام التقنيات المسجلة باسم الشركات الأخرى.
  • في عام 1999، اتفقت شركة آيسر وشركة آي بي إم على سبع سنوات من الحيازة والتحالف التقني. -استمرَّت استراتيجية التحالفات والشراكات التي تنتهجها شركة آيسر على النحو التالي:
  • في عام 2010، وقَّعت شركة آيسر مع شركة فاوندر تكنولوجي (Founder Technology) مذكرة تفاهم مشترك لتعزيز تعاونهم طويل الأمد في مجال تجارة الحواسيب الشخصية.
  • في عام 2016، وافق مجلس إدارة شركة آيسر على إقامة مشروع مشترك مع شركة آي بي ستاربريزر (Starbreeze AB) من أجل تصميم شاشات الواقع الافتراضي المحمولة على الرأس ستار في آر "StarVR" وتصنيعها والترويج والتسويق لها ودعمها.

بالتزامن من تنامي وتزايد قوة آيسر وحصّتها في السوق التجارية العالمية، فإنَّها عمدت إلى البدء بإجراء عمليات استحواذ. كانت هذه الاستحواذات تهدف إلى تعدُّد العلامات التجارية، إلى جانب الحصول على الابتكارات التقنية التي طوَّرتها الشركات الأخرى، على سبيل المثال:

  • في عام 1998، استحوذت شركة آيسر على شركة تكساس إنسترومنتس.
  • في عام 2007، اندمجت شركة آيسر مع شركة جيت واي.
  • في عام 2008، اندمجت شركة آيسر مع شركة باكارد بيل.
  • في عام 2008 أيضًا، استحوذت شركة آيسر على شركة أي تين (E-TEN).
  • في عام 2015، استحوذت شركة آيسر على شركة إكسبلوفا (Xplova) المتخصِّصة في إنتاج أجهزة تتبُّع راكبي الدراجات عن طريق نظام تحديد المواقع العالمي (GPS).
  • في عام 2016، استحوذت شركة آيسر على شركة باوبو (Pawbo) التي تُنتج كاميرا لاسلكية لمراقبة الحيوانات الأليفة.

من الدلائل على فعالية الاستراتيجية التي تنتهجها شركة آيسر أنَّها اشترت في عام 2011 شركة أي جي وير (iGware) مقابل 320 مليون دولار في محاولة منها لدخول سوق الحوسبة السحابية الذي بدا مربحًا، ونتيجةً لذلك تمكَّنت شركة آيسر في عام 2012 من إنتاج برمجيات سحابية ومعدات بنية تحتية للأجهزة الخاصّة بها.

أقامت شركة آيسر أيضًا شراكات قائمة على المساهمة، وفيما يلي أمثلة عن هذه الاستراتيجية:

  • في عام 2009، استحوذت شركة آيسر على 29.9% من أسهم شركة أوليداتا (Olidata).
  • في عام 2015، استثمرت شركة آيسر في شركة جيبو (Jibo) الناشئة المتخصِّصة في تصنيع الروبوتات.
  • في عام 2016، استثمرت شركة آيسر في أسهم شركة غراند باد (GrandPad)، وهي شركة تُقدِّم حلولًا تقنية مصمَّمة لخدمة كبار السن.
  • في عام 2017، أصبحت شركة آيسر من أكبر المساهمين في شركة أي أوبين (AOPEN).

دخول شركة آيسر إلى حلبة المنافسة العالمية

سعت شركة آيسر إلى تغيير نموذج عملها من كونها شركة قائمة على الابتكار والتصنيع الداخلي إلى شركة قائمة على التطوير والتسويق، كما أنها استمرَّت في الوقت نفسه في التوسُّع عالميًا، وذلك من خلال إقامة العديد من الشراكات، إلى جانب تطوير المنتجات المبتكرة مع شركائها وضمن مجالات البحث والتطوير الخاصة بها.

على سبيل المثال، أطلقت شركة آيسر في عام 2003 منصة التمكين التقني (Empowering Technology Platform) للدمج بين الأجهزة والبرمجيات والخدمات، بهدف تقديم تقنيات متكاملة للزبائن، وفي عام 2008 أُطلق جهاز أسباير وان (Aspire One) وهو أول حاسوب محمول متصل بالإنترنت تابع للشركة. بالإضافة إلى ذلك، اقتحمت شركة آيسر مجال الألعاب المتطورة بقوة من خلال طرحها لسلسلة أسباير بريداتور (Aspire Predator).

كان الهدف من الخطوات التي اتخذتها شركة آيسر هو تعزيز مركزها على مستوى العالم وزيادة حصّتها في السوق التكنولوجيّة العالميّة، وتشتمل مجموعة المنتجات التي تُقدِّمها على حواسيب شخصية دفترية وصغيرة الحجم، وحواسيب مكتبية، وأنظمة تخزين، وأجهزة طرفية، وتلفزيونات بتقنية LCD، وحلول الأعمال الالكترونية.

تُعدُّ شركة آيسر رائدة في العديد من أسواق المنتجات المتنوعة، وتُعدُّ سوق أوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا سوقًا أساسيّة تحتضن حلول الحوسبة المتنقلة والمُنتجات التي تُقدِّمها الشركة. بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ شركة آيسر هي أضخم مزوِّد للتلفزيونات التي تعمل بتقنية LCD في أوروبا الغربية، وهي الشركة الأولى في سوق الحواسيب الدفترية في إيطاليا وإسبانيا والنمسا وهولندا وسويسرا وروسيا وبلجيكا وهنغاريا وبولندا وجمهورية سلوفاكيا.

نجحت شركة آيسر في الانتشار في الولايات المتحدة وكندا من خلال نموذج العمل التجاري الخاص بها (Channel Business Model)؛ إذ طوَّرت هذا النموذج أثناء توسُّعها خارج تايوان واستمرَّت في تحسينه، بينما عملت على تصفية مرافق التصنيع الخاصة بها.

يُتيح هذا النموذج لشركة آيسر أن تكون أكثر مرونة في التأقلم مع توجُّهات سوق تكنولوجيا المعلومات، إذ يقتضي التعاون مع الشركاء و المزوِّدين من أجل تطوير أفضل المنتجات والخدمات وتسويقها. استخدمت الشركة في عام 2003 هذا النموذج لإنتاج جهاز حاسوب دفتري بالتعاون مع شركة فيراري الإيطالية المتخصِّصة في صناعة السيارات.

كشفت شركة آيسر في عام 2009عن هواتفها الذكية (F900) و (M900) في المؤتمر العالمي للهواتف النقالة (Mobile World Congress)، وبدؤوا بالشحن إلى شركائهم في أوروبا و الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا. تمتلك هذه المنتجات شاشة عرض رسومية كبيرة نسبيًا يبلغ عرضها 3.8 بوصة، بالإضافة إلى تقنية (HSPA) بسرعة 3.75 غيغا لنقل البيانات بسرعة عالية، وتُعدُّ هذه أولى المنتجات ذات واجهة المستخدم الجديدة التي توفِّر تنقُّلًا سهلًا وصورًا متحركة واضحة ثلاثية الأبعاد. لقد كان الاستحواذ على شركة باكارد بيل العامل الأساسي الذي أتاح لشركة آيسر دخول هذا السوق وطرح هذا المنتج المتطوِّر.

كان هدف شركة آيسر، منذ عام 2008 وحتى عام 2013، هو تعزيز وجودها عالميًا من خلال اتباع استراتيجية جديدة قائمة على تعدُّد العلامات التجارية. عندما نجحت شركة آيسر في إتمام الاندماج مع شركتي جيت واي وباكارد بيل، فإنَّها شدَّدت تركيزها على هدفها لزيادة ترسيخ وجودها عالميًا بواسطة استراتيجية تعدُّد العلامات التجارية والشراكات المتينة، ومن ثمَّ بدأ التخطيط لتحويل شركة آيسر ابتداءً من عام 2014 إلى شركة عالميّة تُقدِّم أفضل الأجهزة والبرمجيات والخدمات للعملاء.

كانت شركة آيسر بحاجة إلى فصل أو تصفية بعض الوحدات لتحقيق هذه النقلة، ونتج عن ذلك الأمرين التاليين:

  1. توفير السيولة النقدية اللازمة لإجراء عمليات الاستحواذ وتطوير أعمال جديدة أخرى.
  2. عدَّلت محور تركيز استراتيجية شركة آيسر.

من الأمثلة عن عمليات الفصل والتصفية:

  • في عام 2000، فصلت شركة آيسر عملية التصنيع من أجل التركيز على تطوير حلول متقدِّمة تقنيًا وسهلة الاستخدام.
  • في عام 2000 أيضاً، فصلت شركة آيسر وحدة تصنيع المعدات الأصلية (Original Equipment Manufacturing) التابعة لها بهدف إنشاء شركة ويسترون (Wistron)، وهي شركة مستقلة متخصِّصة في التصميم وصناعة تقنيات المعلومات.

استمرَّت شركة آيسر في تصدّرها وريادتها لتقنية الحواسيب الدفترية، وعملت في الوقت ذاته على توسيع خطوط إنتاجها بهدف زيادة حصّتها السوقيّة وتلبيّة كافّة طلبات العملاء حول العالم، ومن الحواسيب الدفترية التي أنتجتها الشركة:

  • حاسوب فيراري 4000 ذو الألياف الكربونية (2005)
  • الحواسيب الدفترية الصديقة للبيئة (2010)
  • سلسلة حواسيب أسباير الأخف وزنًا وذات البطارية الأطول عمرًا (2012)
  • جهاز كروم بوك الذي يتميَّز بشاشة حجمها 15.6 بوصة (2015)

بالإضافة إلى ذلك، ازدادت خطوط إنتاج شركة آيسر وأصبحت تشتمل على الحوسبة السحابية والألعاب وتقنيات أخرى من شأنها أن تضيف قيمة إلى حياة الزبائن.

الخلاصة

لقد اتخذت شركة آيسر خطوات استراتيجية متنوعة لكي تظل قادرة على المنافسة في مجال التقنيات الحاسوبية الذي يتّسم بالتغيُّر المستمر وعدم الثبات، فانتهجت في البداية استراتيجية نمو قائمة على الابتكار داخل أسوار الشركة من أجل بناء سمعتها وإثبات وجودها في هذا المجال، ثمَّ استفادوا من التقنيات والابتكارات الخارجية من خلال عمليات الدمج والاستحواذ، والتحالفات والمشاريع المشتركة والاستثمارات مقابل حقوق الملكية وغيرها. تسعى شركة آيسر دائبةً إلى تعزيز نقاط قوتها في البحث والتطوير وتواصل التنقيب عن فرص جديدة للاستحواذ وبناء التحالفات الاستراتيجيّة العالميّة.

أهمية إدارة التكنولوجيا والابتكار في الحاضر والمستقبل

تُعدُّ إدارة التكنولوجيا والابتكار عُنصرًا أساسيًا من عناصر نجاح المؤسسات. لقد شهدنا على مرّ التاريخ ظهور هياكل تنظيمية مبتكرة وطرق جديدة لأداء العمل، وذلك نتيجةً للابتكارات والتقنيات الحديثة. على سبيل المثال، أدّت الثورة الصناعية إلى ظهور الهيكل الوظيفي في المؤسسات؛ فمع تحوُّل الأعمال من حِرف صغيرة مثل الحدادة إلى أعمال أوسع مثل السكك الحديدية، نشأت الحاجة لاستخدام هيكل عمل أكثر تعقيدًا لإنجاز تلك الأعمال.

نستطيع أن نرى في الوقت الحالي أنَّ الابتكارات في مجال تكنولوجيا المعلومات جعلت الهياكل التنظيمية معتمدةً على الشبكات التي يعمل الأفراد من خلالها عن بعد. حقيقة الأمر هو أنَّ التغييرات في الهياكل التنظيمية ما هي إلَّا ثمرة ونتيجة للابتكارات التكنولوجية المرتبطة بكيفية إنجاز العمل؛ إذ تؤثِّر الابتكارات الناجمة عن اختراع منتجات جديدة على التكنولوجيا التي نستخدمها وطريقة استخدامنا لها.

Technology-Innovation-Defined.jpg

تعريفات التكنولوجيا والابتكار (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

هناك عدة تعريفات للتكنولوجيا، ولكنَّنا سنورد تعريفًا واحدًا يستند إلى حقيقة أنَّ الغرض الأساسي من أي نظام (مثل نظام المؤسسة) هو عبارة عن تحويل المدخلات إلى مخرجات، وبناءً على ذلك يُمكننا تعريف التكنولوجيا بأنَّها: العمليات التي تحدث داخل المؤسسة والتي تُساهم في تحويل المدخلات إلى مخرجات، بالإضافة إلى آليات التقييم والرقابة المُسانِدة.

تنطوي إدارة التكنولوجيا على التخطيط والتنفيذ والتقييم والرقابة على موارد المؤسسة وإمكانياتها من أجل بناء قيمة وميزة تنافسية، ومن المفاهيم الأساسية المرتبطة بها ما يلي:

Management-of-Technology.jpg

إدارة التكنولوجيا (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

  1. استراتيجية التكنولوجيا (Technology strategy): المنطق وراء كيفية استخدام التكنولوجيا والدور الذي ستؤدِّيه التكنولوجيا في المؤسسة. على سبيل المثال، هل سيكون التركيز على ابتكار منتجات جديدة تُطرح لأول مرة في السوق (استراتيجية الأسبقية)، أم هل ترغب الشركة في تقديم خدمات تكنلوجيّة أفضل من خدمات المنافسين للاستحواذ على حصة وقيمة سوقية أكبر (ترك الشركات الأخرى تجازف وتتحمَّل المخاطر الأولية)؟
  2. التنبؤ بالتكنولوجيا (Technology forecasting): استخدام مجموعة من الأدوات لدراسة بيئة العمل من أجل التعرُّف على التغيُّرات التكنولوجية المحتملة التي قد تؤثِّر إيجابيًا أو سلبيًا على القيمة المقترحة للشركة. لقد أدَّت رقمنة العديد من المنتجات، مثل الساعات والكاميرات، إلى توفير فرص عظيمة لبعض الشركات وإفلاس شركات أخرى، ويدلُّ ذلك على أنَّ التنبؤ (أو على الأقل الانتباه إلى التغيُّرات التكنولوجية في سوق المنافسة) مهم جدًّا في إدارة التكنولوجيا.
  3. التخطيط للتكنولوجيا (Technology roadmapping): عمليّة دراسة الابتكارات أو التقنيات القائمة ومحاولة تعزيز قيمتها من خلال إيجاد طرق مُبتكرة لاستخدامها في أسواق وأماكن مُختلفة.
  4. حافظة مشاريع التكنولوجيا (Technology project portfolio): إنَّ استخدام تقنيات الحافظة (أو الحاضنة) في تطوير التكنولوجيا واستغلالها يُعزِّز من القيمة المحتملة للتقنيات قيد التطوير والتقنيات التي تُشكِّل جزءًا من حافظة الشركة في الوقت الراهن. على سبيل المثال، شركة ديزني هي شركة رائدة في إنتاج أفلام الرسوم المتحركة، ولكنَّها لم تتوقَّف عند ذلك الحد؛ إذ أصبحت في الوقت الحالي تُسوِّق لمجموعة من الشخصيات التي ظهرت في أفلامها على هيئة منتجات وتعرضها أيضًا في مدن الملاهي التابعة لها، وتحرص شركة ديزني بشدة على إدارة توفُّر أفلام الرسوم المتحركة وتمنحها الاحترام والتقدير في نفوس العملاء.

تُعدُّ أنشطة الابتكار مجموعة فرعية مهمة من أنشطة التكنولوجيا، وينطوي الابتكار على التجديد في عمليات تطوير واستخدام المنتجات أو العمليات داخل الشركة وداخل مجال العمل، ومن أشكال الابتكار: الاختراع، وتطوير منتجات جديدة، وأساليب تحسين العمليات الحاليّة.

تتضمّن إدارة الابتكار كلًّا من إدارة التغيير وإدارة العمليات التنظيمية التي تدعم الابتكار، ولا تقتصر إدارة الابتكار على التخطيط لمنتجات أو خدمات معيّنة، أو توسيع العلامات التجارية، أو إنجاز اختراعات تقنية جديدة؛ بل إنَّها تسعى وتخطط باستمرار لإطلاق الخيال العلمي وطرح الأفكار الإبداعيّة والمُنافسة التقنيّة بطرق جديدة.

تنطوي إدارة الابتكار في المؤسسات أيضًا على إنشاء أنظمة وعمليات تُفسح المجال للتجديد الذي ينتج عنه قيمة إضافية للمؤسسات. من الجدير بالذكر أنَّ بعض الشركات، مثل جوجل و3M، تمنح بعض الموظفين وقتًا معينًا خلال أسبوع لكي يعملوا على تطوير أفكارهم الخاصة على أمل إطلاق أفكار جديدة ذات قيمة إضافية، ومن المنتجات التي نشأت نتيجةً لذلك: "أخبار جوجل"، والأوراق اللاصقة التي تُنتجها شركة 3M، والتي تُعرف باسم "Post-it". يجب على الشركة إجراء العديد من الأنشطة من أجل إدارة عمليات الابتكار بنجاح (وقد يتطلَّب ذلك دراسة التقنيات المستخدمة في الوقت الراهن)، وتتضمَّن هذه الأنشطة ما يلي:

Innovation-Management.jpg

إدارة الابتكار (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

  1. التفكير في خيارات عديدة وحلول مُبتكرة أثناء محاولة مجاراة التغيُّرات التي قد تحدث في الشركة والأسواق والشركات المنافسة وغيرها،التفكير في الخيارات بأسلوب مُختلف هو عُنصرٌ مهم جدًّا للإبداع والنجاح. من الأمثلة على الشركات التي فشلت بسبب عدم تنفيذ هذه الخطوة هي شركة كوداك التي كانت مهيمنة في مجال تصنيع الكاميرات. لقد فوَّتت هذه الشركة في العديد من المرَّات فُرصًا ذهبيّة لاستغلال الابتكارات المرتبطة بخط إنتاجها ومجال عملها، ولم تُفكِّر في الخيارات الجديدة المتاحة. على سبيل المثال، لقد ذهب إدوين لاند، مؤسِّس شركة بولارويد (Polaroid)، إلى شركة كوداك واقترح عليها الاستفادة من اختراعه للصور الفورية، ولكنَّها رفضت اقتراحه. بالإضافة إلى ذلك، لم تنظر شركة كوداك إلى الهواتف التي تتيح التقاط الصور على أنَّها منافس محتمل إلَّا بعد فوات الأوان، وأصبحت شركة ضعيفة لأنَّها دخلت متأخِّرةً إلى سوق الكاميرات الرقمية، وقد أفلست في عام 2012 نتيجةً لعدم التفكير في استغلال الخيارات الممكنة لمواكبة التوجُّهات السائدة والابتكارات الحديثة.
  2. إضفاء التجديد على المنتجات الحالية ممَّا قد يُسهم في إضافة قيمة جديدة لهذه المنتجات. على سبيل المثال، لقد طبَّقت شركة ثري أ/ (3M) هذه الخطوة على جميع أصناف الأشرطة اللاصقة وأنواع مختلفة من الأوراق اللاصقة التي تُدعى (Post-it). من المهم جدًّا طرح السؤال «كيف يمكن تغيير المنتج أو استخدامه بُطرق جديدة مختلفة؟» من أجل تطوير سلسلة المنتجات.
  3. بناء ثقافة عمل قائمة على تقبُّل التجديد أمر مهم جدًّا لتنمية الأفكار؛ فإذا كانت قيادة الشركة تتقبَّل الأفكار الجديدة من جميع مكوّنات المؤسسة، فإنَّ هذا سيجعل الشركة أكثر ابتكارًا. تُشجِّع بعض الشركات الكبيرة، مثل شركة تكساس إنسترومنتس، الموظفين على بدء أعمال أو شركات جديدة إذا كانت لا ترغب في الاحتفاظ بأحد منتجاتها داخلها، وغالبًا ما تكون شركة تكساس إنسترومنتس هي المستثمِر الأول في هذه الشركات الصغيرة وأحد زبائنها.
  4. نشر المعرفة في جميع أرجاء الشركة هو أمر مهم أيضًا. قد تبدو المعرفة والمعلومات الجديدة أخبارًا جيِّدة أو سيئة للوهلة الأولى، ولكنَّ شركة ثري أم استفادت من نشر المعلومات المتعلِّقة بمحاولاتها الفاشلة لتصنيع مادة لاصقة قوية تنافس ما تنتجه شركة إيلميرز (Elmer’s)؛ إذ أدَّى ذلك إلى إنتاج الأوراق اللاصقة التي تُدعى (Post-it). من الواضح أنَّ نتائج التجارب لم تُحقِّق الهدف الأصلي المنشود، ولكن نشر المعلومات المتعلِّقة بخصائص المادة الجديدة (لزجة ولا تترك أي رواسب) ترتَّب عليه استخدام المادة الناتجة لغرضٍ آخر.
  5. امتلاك الشجاعة الكافية للتغيير ضروري إذا كانت الشركة ترغب في إدارة الابتكار والحفاظ على قدرتها على المنافسة. غالبًا ما تُفضِّل الشركات البقاء في منطقة آمنة ومستقرة من سوق المنافسة الذي تُشارك وتتخصّص به، وحصر تركيزها على نطاق ضيِّق من بيئة العمل، والتركيز على تعزيز قوتها في الأسواق الحالية التي تستهدفها، ولكن يؤدِّي هذا إلى ما يُعرف بالجمود الاستراتيجي (strategic inertia)، والذي يُشير إلى تجنُّب الابتكار ومن ثمَّ خسارة زبائن الشركة وحصتها في السوق نتيجةً لتفوُّق الشركات الأكثر ابتكارًا. لقد فشلت شركة آي بي إم في التغيير -مثلما حدث في شركة كوداك-؛ إذ ذاع أنَّ الرئيس التنفيذي لشركة آي بي إم كان يقول: «من يرغب في أن يكون لديه جهاز حاسوب على مكتبه؟!»، وذلك عندما كانت شركة آي بي إم مستمرَّةً في تصنيع الحواسيب الكبيرة (mainframes) على الرغم من بداية انتشار الحواسيب المكتبية ثمَّ الحواسيب المحمولة.

إدارة التغيير

مراكز التبادل التجاري الإلكترونية حلقة وصل للتجارة العالمية

بفضل التقدُّم التكنولوجي، فإنَّ التبادل التجاري الإلكتروني العالمي المُعاصر أصبح ينطوي على ما هو أكثر من البيع بالتجزئة والتبادل عبر الإنترنت الذي نعرفه جميعًا. هناك مواقع إلكترونية معينة تُعرف باسم مراكز التبادل التجاري أو الأسواق الإلكترونية، وتُسهِّل هذه المواقع التجارة الإلكترونية بين الشركات في قطاعات معينة، مثل: صناعة السيارات، والبيع بالتجزئة، والاتصالات، والطيران، والمنتجات والخدمات المالية، وغيرها.

بالإضافة إلى ذلك، تُجرى جميع عمليات الفوركس (تداول العملات الأجنبية) تقريبًا من خلال مراكز التبادل التجاري التي توفِّر سوقًا مفتوحًا لتداول مجموعة متنوعة من العملات، وغالبًا ما يكون من السهل اكتشاف أسعار هذه العملات، كما أنا هذه الأسواق الإلكترونيّة تتسم بالشفافية؛ وذلك بسبب كثرة مقايضة العملات. في المقابل، يجري تداول العملات الرقميّة (البيتكوين) بكميات أقل، وغالبًا ما تكون هناك فروق كبيرة في أسعار هذه العملة الإلكترونية المشفرة في مراكز التداول المختلفة.

تُساهم مراكز التبادل التجارية في تحقيق التعاون الإلكتروني بين خدمات الأعمال المختلفة، ويوفِّر كل مركز نماذج موحَّدة للتبادل الإلكتروني للمستندات التي تُستخدم في قطاع عمل معين، بالإضافة إلى مجموعة من الخدمات لدعم التجارة الإلكترونية بين الشركات في ذلك القطاع، وتتضمَّن هذه الخدمات: التنبؤ بالطلب، وإدارة المخزون، وأدلة الشركاء، وخدمات تسوية المعاملات.

تجني المؤسسات أرباحًا وفوائد كبيرة عند استغلالها واستفادتها من هذه المراكز، مثل: تقليل التكاليف، وتقليل مستويات المخزون، وتقليل الوقت المخصَّص للتسويق؛ ممَّا يؤدِّى إلى زيادة الأرباح وتعزيز القدرة التنافسية. على سبيل المثال، يمكن أن يُكلِّف شراء مستلزمات عملية التصنيع بكميات كبيرة مليارات الدولارات في الواقع، ولكن إذا تغيَّرت آلية الشراء وأصبحت تتمُّ بواسطة مراكز التبادل الإلكتروني في الوقت المطلوب، فإنَّ ذلك سيؤدِّي إلى تقليل نسبة كبيرة من هذه التكاليف.

تتضمَّن عمليات التبادل التجاري الإلكتروني عبر مراكز التبادل الربط بين العمليات التجارية الفردية، والمزادات، وتبادل البضائع (المقايضة الإلكترونية)، وغيرها. تُعدُّ إدارة المحتوى العالمي عاملًا أساسيًا في تعزيز اتفاقيات التبادل التجاري الإلكتروني بواسطة مركز التبادل، ويجب أن يُعرض محتوى مركز التبادل للجميع بطريقة موحّدة عالميًا.

بإمكان كل شركة انضمَّت للمركز إدارة محتواها الخاص، وهناك مجموعة من البرامج المرتبطة بالمركز، مثل مدير المحتوى الذي يحتفظ بقوائم السلع التي يُوفِّرها جميع أعضاء المركز ويُحدِّثها باستمرار، بالإضافة إلى مدير المعاملات (transaction manager) الذي تتمثَّل وظيفته في أتمتة إجراءات عملية التبادل التجاري بين الشركات، الأمر الذي يُتيح للمركز تقديم خدمات التجميع والتسوية.

أخيرًا، يمكن ربط مراكز التبادل التجاري التابعة للعديد من القطاعات مع بعضها بعضًا في شبكة تجارة إلكترونية عالمية (مركز شامل يربط جميع مراكز التبادل التجاري حول العالم)، وقد بيَّن أحد المفكرين المبدعين ذلك بقوله: «لقد انتهى عصر سلسلة التوريد التقليدية الخطية التي تُنفِّذ خطوة واحدة في الوقت الواحد، وسوف تُستبدل بعمليات اتخاذ قرارات فورية ومتوازية وغير متزامنة فيما يخصُّ السوق. على سبيل المثال، يمكن للشركات عرض سعتها الإنتاجية الفائضة عبر مركز التبادل التجاري الإلكتروني العالمي، وتدفعُ عروضُ شراء السِّعةِ البائعَ إلى طرح مبلغ معيّن لشراء القطع اللازمة من الموردين الذين يُقدِّمون في المقابل طلبات إلى موردين آخرين، وستحدث كل هذه العملية في غضون بضع دقائق!»

المجالات المؤثرة على قطاع الأعمال

هناك ست مجالات مهمة تؤثِّر على المجتمع وقطاع الأعمال، لذلك يجب على الشركات الانتباه إليها جيِّدًا عند إدارة التكنولوجيا والابتكار من أجل بناء القيمة الشركة وسمعتها، وتشمل هذه المجالات الستّ ما يلي:

1- إدارة الموارد البشرية

تختلف بيئة العمل (الآليات والهياكل التنظيمية) في العصر الحالي اختلافًا كبيرًا عمَّا كانت عليه في مطلع الألفية الجديدة. على سبيل المثال، ظهر هاتف الآيفون لأول مرة في عام 2007. لم تكن تقنية الهواتف النقالة في عام 2000 متاحة للجميع، وكان معظم الناس لا يزال لديهم هواتف أرضية. لقد أدَّى ظهور تقنية الهواتف النقالة واستخدامها في قطاع الأعمال إلى شعور العديد من الموظفين بأنَّهم تحت الطلب على مدار 24 ساعة؛ إذ يمكن الاتصال بهم أو إرسال رسالة نصية أو إلكترونية إليهم في أي وقت؛ وذلك لأنَّهم غالبًا ما يحملون معهم هواتفهم في كل مكان.

لقد أصبح توفير فرص التعلُّم (سواءً عبر الإنترنت أم من خلال التدريب والتطوير التقليدي) عنصرًا أكثر أهميةً من عناصر إدارة الموارد البشرية؛ فالموظفون يحتاجون إلى أن يُمنحوا وقتًا للتكيُّف مع أساليب العمل الجديدة والبرمجيات الحديثة وهكذا. على سبيل المثال، من النادر أن نجد مديرًا يبلغ عمره 45 عامًا قد امتلك أو استخدم حاسوبًا محمولًا قبل تخرُّجه في الجامعة، فلم تكن تلك الحواسيب مُتاحة في بداية مسيرته المهنيّة.

2- توسيع النموذج التعاوني

كلما ازدادت وتيرة الابتكار، ازدادت وتيرة التكنولوجيا في الشركات والصناعات والاقتصادات. تتطلَّب هذه التغيُّرات التعاون بين عدة أطراف، ويمكن أن يحدث ذلك بعدة طرق داخل الشركة وخارجها. سنتطرق فيما بعد إلى المصادر الداخلية والخارجية لإدارة التكنولوجيا والابتكار، بالإضافة إلى الأنشطة الريادية المرتبطة بإدارة التكنولوجيا والابتكار.

3- التدويل (Internationalization)

ازدادت فرص تدويل (نقل السلع أ والخدمات إلى السوق العالميّة) المنتجات والأسواق في العصر الحالي، وأحيانًا تنتشر وتُشتهر الابتكارات الجديدة بطرق غير متوقَّعة. على سبيل المثال، أرادت شركة (جنرال إلكتريك) تطوير جهاز تصوير بالرنين المغناطيسي لاستخدامه في البلدان الأقل تقدُّمًا، ويتميَّز هذا الجهاز بأنَّه مُتنقل ويعتمد على واجهة حاسوب محمول لإرسال الصور من أجل التشخيص، ونجحت الشركة في ذلك وأنشأت مصنعًا خارجيًا، ثمَّ اكتشفت أنَّ هناك أسواقًا لم تأخذها بالحسبان في بلدان أكثر تقدُّمًا؛ إذ رغب الأطباء البيطريون الذين يُعالجون الحيوانات كبيرة الحجم في استخدام هذا الجهاز في المزارع والحظائر. لقد أصبح اكتشاف أفضل الأسواق وأفضل خيارات الإنتاج جزءًا مهمًا من إدارة التكنولوجيا والابتكار.

4- القضايا البيئية

يُعدُّ الاهتمام بالقضايا البيئية مهمًا طوال دورة حياة المنتج، لذلك تهتم إدارة التكنولوجيا والابتكار بعمليات التطوير والتصنيع والاستخدام وحتى التخلُّص من المنتج بشتى الطُرق المُحافظة والبيئية. على سبيل المثال، يشغل مجال إنتاج الطاقة حيِّزًا كبيرًا من الاهتمام؛ إذ يؤثِّر استخدام الوقود الأحفوري (مثل الفحم والنفط والغاز الطبيعي) على مستويات الكربون في الغلاف الجوي مسبِّبًا العديد من المشكلات البيئية (في مقدّمتها ثقب طبقة الأوزون)، لذلك يُفكِّر الأفراد والشركات في استخدام البدائل، مثل الطاقة النووية والطاقة المتجدِّدة، ولكن هذه الأخرى لا تخلو أيضًا من المخاطر والمشكلات.

لا يؤثِّر استخدام الطاقة النووية على الغلاف الجوي، ولكنَّ الحوادث التي قد تحصل في مرافقها كارثية. وبالمثل فإنَّ استخدام الرياح والمياه والأمواج وأشعة الشمس لإنتاج الطاقة لا يؤدِّي إلى انبعاثات كربونية، ولكن قد يترتَّب عليه مشكلات بيئية أخرى، كما أنه قد يكون مُكلفًا جدًا، فعلى سبيل المثال، أصبح بناء السدود الكبيرة (مثل سد هوفر في الولايات المتحدة) أكثر صعوبة في العصر الحالي، وذلك بسبب تنامي إدراك المجتمعات للتأثيرات والتداعيات السلبيّة التي قد تُحدثها هذه المشاريع الكبيرة على النظام البيئي المائي.

5- نمو القطاعات الخدماتية

مع تزايد اعتماد الاقتصادات المعاصرة على المعرفة والمعلومات، فإنَّ القطاعات الخدماتية سوف تواصل نموها، كما أنَّ الخدمات التي يُقدِّمها مزوِّدو الإنترنت والمتخصِّصون في أمان الشبكات والعاملون في مجال تكنولوجيا المعلومات سوف تؤثِّر تأثيرًا واضحًا على آلية نمو الأعمال في المستقبل القريب، سيّما في الاقتصادات النامية. في الواقع، إنَّ نشوء اقتصاد عالمي أكثر اعتمادًا على المعرفة والمعلومات سيزيد من أهمية الخدمات، ومن ثمَّ ستستمر القطاعات الخدماتية في النمو بوتيرة أسرع من القطاعات الإنتاجية.

6- استخدام حقوق الملكية الفكرية موردًا استراتيجيًا

أصبحت العديد من المنتجات والخدمات الحديثة تعتمد على حقوق الملكية الفكرية (براءات الاختراع وحقوق النشر والعلامات التجارية)، ولذلك من المهم أن تنظر المؤسسات إلى حقوق الملكية الفكرية الخاصة بها على أنَّها أصل قيِّم من أصولها، ويتطَّلب ذلك الإفصاح عن القيمة التي تقدِّمها من خلال تحويل هذه القيمة وترجمتها ونقلها.

على سبيل المثال، حصلت مختبرات دولبي (Dolby Laboratories) على براءة اختراع لابتكارها تقنية تقليل الضجيج والتي تُرجمت إلى تقنية صوت ستيريو للأفلام (stereo film sound technique) محمية ببراءة اختراع يُمكن نقلها إلى براءات اختراع جديدة لحماية الأصوات التناظرية. لقد استمرَّ نمو مؤسسة دولبي لفترة طويلة نتيجةً لابتكاراتها التي حصلت على براءات اختراع، وقد حصدت 80% من إيراداتها من التراخيص التي تمنحها لاستخدام تقنياتها المبتكرة، وليس من إنتاج المنتجات المنافِسة بحدِّ ذاتها.

Ideo-innovation-process.jpg

تُعدُّ شركة إيديو (IDEO) من الشركات التي تعتمد على الابتكار وتوليد الأفكار الإبداعية، وقد شاركت في عام 1999 في عملية تطوير عربة تسوُّق مبتكرة آخذةً بالحسبان القضايا التالية: سهولة الاستدارة، وسلوك التسوُّق لدى الزبائن، والحفاظ على سلامة الأطفال، وتكلفة الصيانة. لقد عُرضت عملية التصميم التي نفَّذتها شركة إيديو (IDEO) لتطوير هذا المنتج في حلقة تلفزيونية سجَّلت ما فعله الفريق متعدد التخصُّصات من عمليات ابتداءً بالعصف الذهني وصولًا إلى البحث ووضع النماذج الأولية، وانتهاءً بجمع التقييمات من المستخدمين حول التصميم، الذي انتقل من مجرَّد فكرة إلى نموذج عملي خلال أربعة أيام. (مصدر الصورة: حساب David Armano/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0))

ينبغي أن يكون لدى المؤسسات مرونة في إدارة التكنولوجيا والابتكار. على سبيل المثال، استخدمت شركة (آيسر) -التي تحدَّثنا عنها في بداية هذا المقال- أساليبًا متنوعة لاستغلال التكنولوجيا الحديثة وابتكار تقنيات جديدة وتوسيع نطاق عملها. لقد أدركت إدارة شركة آيسر منذ لحظة تأسيسها أنَّ نجاح الشركة سيكون محدودًا إذا اقتصرت على كونها شركة محلية في تايوان، لذلك سعت إلى الاستفادة من مختلف الخيارات المتاحة واعتمدت في البداية على عمليات البحث والتطوير داخل أسوار الشركة من أجل تحقيق النمو، ثم عملت على توسيع أسواقها وخطوط إنتاجها من خلال عمليات الدمج والاستحواذ، وقد زادت عروض منتجاتها في سوق الحواسيب المحمولة عندما رأت أنَّ هذا السوق وصل إلى مرحلة كافية من النضج، واتجهت في الوقت الحاضر إلى مجال تقديم الخدمات (مثل الحوسبة السحابية) من أجل مواصلة توسُّعها ونموها.

ترجمة -وبتصرف- للفصل MTI—Its Importance Now and In the Future من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...