اذهب إلى المحتوى

أنواع الهياكل التنظيمية


هيفاء علي

طُرح السؤال التالي في تقرير نشرته شركة ديلويت عام 2017: «لماذا كانت التصميمات التنظيمية على رأس القائمة باعتبارها التوجُّه الأكثر أهمية في استطلاع Global Human Capital Trends خلال عامين متواليين؟»، وأشار التقرير إلى أنَّ

اقتباس

الإجابة بسيطة: تختلف الطريقة التي تعمل بها المؤسسات ذات الأداء العالي اختلافًا جذريًا عن طريقة عملها قبل عشر سنوات مضت. ومع ذلك لا تزال العديد من المؤسسات الأخرى تعمل وفقًا لنماذج عمل العصر الصناعي التي تعود إلى 100 عام أو أكثر. [Mechanistic-Organic-Organizations.jpg]

 

Mechanistic-Organic-Organizations.jpg
الهياكل التنظيمية الميكانيكية والعضوية (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

صنَّف واضعو النظريات التنظيمية الأوائل الهياكل التنظيمية إلى ميكانيكية أو عضوية، ولا يزال هذا التصنيف العام والواسع للمؤسسات ملائمًا. تناسب الهياكل التنظيمية الميكانيكية (Mechanistic organizational structures) البيئات الثابتة والبسيطة والتي تتراوح درجة عدم التأكُّد فيها بين الانخفاض والتوسُّط ومن خصائصها أنَّها ذات تسلسل هرمي من أعلى إلى أسفل، وتعتمد على قواعد محدَّدة، كما أنَّ السلطة فيها مركزية ورسمية، والمهام محدَّدة بوضوح لكي ينفِّذها المتخصِّصون بها، وعدد الأشخاص الذين يعملون تحت إمرة الرؤساء والمشرفين مباشرة قليل (أي أنَّ نطاق السيطرة ضيِّق)، وويسود في المؤسسة طابع التقسيمات التخصّصية (أي أن المؤسسة تكون مقسَّمة إلى أقسام مختلفة ولكل قسم مهام مخصَّصة وفقًا لمجال الخبرة). يمثِّل هذا النوع من المؤسسات نموذجًا عن الهياكل التنظيمية التقليدية التي تنشأ في البيئات الثابتة قليلة التعقيد.

الهياكل التنظيمية العضوية (Organic organizational structures) لها خصائص معاكسة لخصائص الهياكل التنظيمية الميكانيكية. إنَّ الهياكل التنظيمية العضوية أفقية (بمعنى أنّ القرار فيها لا يُبنى من ذروة الشركة -المدير- كما في النموذج العمودي بل يكون تشاركيًا إلى حدّ ما) وتعمل على نحو أفضل في البيئات المعقَّدة المتغيِّرة، وتكون عمليتا التواصل واتخاذ القرارات فيها تشاركية، كما أنَّها تتيح إنجاز المهام بطرق أكثر انسيابية ومرونة، وعادة ما تكون القواعد فيها أقل. من خصائص هذه الهياكل أيضًا أنَّ المهام فيها تكون ذات طبيعة عامة وموزعة، وأنَّ نطاق السيطرة يكون أوسع (أي أنَّ هناك عدد أكبر من الأشخاص الذين يعملون تحت إمرة المديرين مباشرة). من الأمثلة على المجالات ذات الهياكل التنظيمية العضوية: التكنولوجيا المتقدمة والحواسيب والفضاء والاتصالات، والتي يجب أن تتعامل مع المتغيّرات السريعة بمرونة ومطاوعة. أصبحت المؤسسات والشركات المعاصرة التي تعمل في بيئات مضطربة سريعة التغيُّر ذات المنافسة العالية تميل إلى تبنِّي الهياكل التنظيمية العضوية كأساس تنظيمي لها. هذا لا يعني أن كل مؤسسة معاصرة بحاجة إلى أن تكون ذات هيكل عضوي، ومن المهم فهم طبيعة التصميمات والهياكل التنظيمية المختلفة لتحديد متى وأين وفي أي الظروف ستكون هناك حاجة إلى تبنّي نوع محدّد من هذا التنظيمات في إدارة الشركة أو على الأقل إدارة جُزءٍ منها. سنناقش في القسم التالي خمسة أنواع مختلفة من الهياكل التنظيمية.

أنواع الهياكل التنظيمية

في سياق المقارنة بين الهياكل التنظيمية الميكانيكية والعضوية، سوف نستعرض كيف نشأت وتطوّرت بعض الشركات ذات أنواع معينة من الهياكل التنظيمية على مدار الحقب التاريخية الثلاث الماضية. كانت المؤسسات خلال الحقبة الأولى (من منتصف القرن التاسع عشر حتى أواخر السبعينيات من القرن العشرين) ذات طبيعة ميكانيكية وتسلسل هرمي من أعلى إلى أسفل وقائمة بذاتها. كان التركيز منصبًّا على العمليات التنظيمية الداخلية المتعلِّقة باستقبال المواد الخام وتحويلها إلى منتجات ومن ثمّ عرضها للزبائن .كانت الهياكل التنظيمية الأولى تركِّز على التحكم الهرمي الداخلي والتخصُّصات الوظيفية المنفصلة لكي تتكيَّف مع بيئات العمل الخارجية، كما وزَّعت الهياكل التنظيمية خلال هذه الحقبة الأشخاص إلى أقسام، وحدَّدت طبيعة العلاقات بين الأشخاص والأقسام، ووضعت كذلك أنظمة لتنسيق العمل أفقيًا وعموديًا. كان أول الهياكل التنظيمية التي نشأت هو الهيكل الوظيفي ثمَّ تلاه الهيكل القطاعي ثمَّ الهيكل المصفوفي، وسوف نسوق تفصيل كلٍّ منها فيما بعد.

بدأت الحقبة الزمنية الثانية في الثمانينيات من القرن العشرين وامتدت حتى منتصف التسعينيات. لقد ساهم التغيّر الكبير في طبيعة البيئات والأسواق والتقنيات وتعقّدها في إنهاك الهياكل التنظيمية الميكانيكية، وقد ازدادت الحاجة إلى وجود تصميمات وهياكل تنظيمية عضوية نتيجة دخول اليابان ميدان المنافسة في مجال صناعة السيارات، والمعاملات المصرفية المعقدة وقطاع التأمين والقطاعات الأخرى التي ثمّنت وأكّدت على إرضاء الزبون وتأمين مصلحته وسرعة التعاملات وجودة النتائج.

لقد تطلَّبت عمليات الاتصال والتنسيق بين الوحدات التنظيمية الداخلية والزبائن والمورِّدين وغيرهم من أصحاب المصلحة الخارجيين مستويات أعلى من التنظيم والسرعة في معالجة المعلومات، كما أن هذه الفترة تميّزت بظهور الحواسيب الشخصية والشبكات. في الواقع، هذه التطوّرات أفضت إلى ظهور التنظيمات الأفقية التي أكَّدت على إعادة هيكلة عمليات سير العمل التي تربط القدرات التنظيمية بالزبائن والمورِّدين. تعدُّ شركة فورد وشركة زيروكس وشركة لكسمارك وشركة إيستمان كوداك من الأمثلة على أولى الشركات التي تبنَّت التصميم التنظيمي الأفقي الذي اختلف اختلافًا جوهريًّا عن مبدأ التنظيم العمودي القديم وأدَّى إلى ظهور الهياكل المسطحة والهجينة وفِرق العمل متعدِّدة الوظائف.

بدأت الحقبة الزمنية الثالثة من منتصف التسعينيات وما زالت ممتدة إلى عصرنا الحالي. لقد ساهمت العديد من العوامل في نشوء هذه الحقبة وتشمل: ظهور الإنترنت، والمنافسة العالمية خاصة من الصين والهند التي تنخفض فيها تكلفة العمالة، وأتمتة العمليات المرتبطة بسلاسل الإمداد، وإسناد جزء من الأعمال إلى جهات خارجية ذات خبرة لتسريع عمليات الإنتاج وتوصيل المنتجات والخدمات. انتهى زمن انغلاق الشركات على نفسها، إذ لم يعد من الضروري إنتاج كل شيء داخل حدود المؤسسة، خاصةً إذا كانت المؤسسة تخفِّض التكاليف وتُسند جزءًا من الأعمال إلى جهات خارجية من أجل التوفير في التكاليف. نشأت خلال هذه الحقبة فروع وأنواع أخرى من الهياكل الأفقية والعضوية وتشمل: الهيكل القطاعي والهيكل المصفوفي والهيكل الجغرافي والهيكل القائم على فرق العمل والهيكل الافتراضي.

سنشرح فيما يلي أنواع الهياكل الرئيسية ونبيِّن مزاياها وعيوبها. تجدر الإشارة إلى أنَّه في العديد من الشركات المحليّة والعالمية الكبيرة يُستخدم مزيج من الهياكل التنظيمية المختلفة في الوقت نفسه. لقد صُمِّمت الهياكل التنظيمية لتتلاءم مع بيئات العمل الخارجية، إذ أنَّ الهيكل التنظيمي الملائم سوف يزيد من قدرة المؤسسة على تحقيق رؤيتها ورسالتها وأهدافها بناء على نوع البيئة التي تعمل فيها هذه المؤسسات. يبيِّن الشكل التالي ظهور وتطوُّر الهياكل التنظيمية المختلفة عبر الزمن.

Evolution of Organizational Structure.jpg
تطوُّر الهياكل التنظيمية، مقتبس من كتاب «Organizational Theory and Design» ومن الدراسة «Hitting the Sweet Spot Between Specialization and Integration in Organizational Design».

لاحظ التدرُّج في الشكل السابق، إذ يظهر في البداية النوع الأول من الهياكل التنظيمية وهو الهيكل الوظيفي، ومع زيادة تعقيد بيئات العمل نشأ الهيكل القطاعي والهيكل الجغرافي والهيكل المصفوفي والهيكل القائم على فرق العمل وأخيرًا الهيكل الافتراضي. يظهر هذا التطوُّر في الهياكل التنظيمية على شكل تدرُّج من الهياكل الميكانيكية إلى الهياكل العضوية نظرًا للانتقال من بيئات بسيطة ثابتة إلى بيئات معقَّدة متغيِّرة. تتضمن الهياكل التي نحن بصدد مناقشتها فيما يلي كلًّا من: الهيكل الوظيفي والهيكل القطاعي والهيكل الجغرافي والهيكل المصفوفي وأخيرًا الهيكل فرق العمل التشاركية والهيكل الافتراضي.

إنَّ الهيكل الوظيفي (functional structure) الموضَّح في الشكل التالي من بين أقدم الهياكل التنظيمية وأكثرها استخدامًا. يُقسِّم هذا الهيكل المؤسسة إلى أقسام متعدّدة وفقًا لمجالات الاختصاص مثل قسم البحث والتطوير وقسم الإنتاج وقسم المحاسبة وقسم الموارد البشرية. يُشار إلى التنظيمات الوظيفية بأنَّها هياكل هرمية لأنَّها خاضعة لنظام تحكُّم ذو تسلسل هرمي من أعلى إلى أسفل. تستخدم الشركات الصغيرة والناشئة والمؤسسات التي تعمل في بيئات بسيطة ثابتة هذا الهيكل، كما تستخدمه العديد من المؤسسات الحكومية الكبيرة والعديد من القطاعات في الشركات الكبيرة لمهام معيِّنة.

Functional-Structure.jpg
الهيكل الوظيقي (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

يمتاز الهيكل الوظيفي بتوفير درجة كبيرة من التخصُّص، كما أنَّ عملية تقديم التقارير من خلاله بسيطة ومباشرة بين الأقسام، ويسمح هذا الهيكل بوفورات الحجم (انخفاض تكلفة الوحدة المنتجة خلال زيادة كمية الإنتاج)، وليس من الصعب توسيع نطاق العمل مع توسّع أعمال المؤسسة وازدياد حجمها. في المقابل، تتضمن سلبيات الهيكل الوظيفي انعزال الأقسام عن بعضها بعضًا لأنَّها تميل إلى الانغلاق وعدم التواصل مع الأقسام الأخرى. من السلبيات أيضًا بطء عملية اتخاذ القرارات وضعف التنسيق بين الأقسام المختلفة، والتنافس على السلطة والموارد.

يوضِّح الشكل التالي الهيكل القطاعي (divisional structure). تتجمَّع في هذا الهيكل العديد من الأقسام الوظيفية تحت قطاع معيَّن ويرأسها شخص محدَّد، ويحتوي كل قطاع على فرق عمل خاصة بالتسويق والمبيعات والمحاسبة والتصنيع والإنتاج. يمكن تقسيم قطاعات هذا الهيكل بناءً على المنتجات أو الخدمات المقدَّمة أو الأسواق المستهدفة أو المناطق الجغرافية أو أي عامل آخر مرتبط بعمل الشركة. يُعدُّ التقسيم بناءً على الأسواق المستهدفة مثاليًا للمؤسسات التي لديها منتجات أو خدمات خاصة بقطاعات سوق معيَّنة ويكون فعَّالًا بوجه خاص إذا كان لدى المؤسسة معرفة متقدِّمة وخبرات متراكمة في هذه القطاعات.

Divisional Organization Structure.jpg
الهيكل القطاعي (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

تتضمن مزايا الهيكل القطاعي ما يلي:

  • كل قطاع يمكنه التركيز على الأعمال والميزانية التي يديرها.
  • الجميع يمكنهم معرفة مسؤولياتهم والمهام المتوقَّع منهم القيام بها بسهولة.
  • التواصل مع الزبائن وتقديم الخدمات لهم يمكن أن يكون أسرع.
  • التنسيق بين المجموعات داخل القطاعات أسهل.
  • هذا الهيكل مفيد للشركات الكبيرة لأنَّ عملية اتخاذ القرارات اللامركزية تعني أنَّ الإدارة العامة لا يتوجَّب عليها إدارة كل كبيرة وصغيرة في جميع القطاعات.

أمَّا السلبيات المرتبطة بالهيكل القطاعي فهي أنَّ القطاعات يمكن أن تكون معزولة عن بعضها ، وأنَّ الأنظمة المختلفة مثل المحاسبة والتمويل والمبيعات والتسوبق والتقنيات وغيرها قد تعاني من ضعف التواصل والتنسيق فيما يتعلَّق برسالة المؤسسة وتوجُّهاتها وقيمها، كما أنَّ هناك احتمالية لحدوث عدم توافق بين الأنظمة (مثل اختلاف أسلوب المحاسبة في القطاعات المختلفة مثل قطّاع المحاسبة وقطاع التسويق وقطاع التكنلوجيا…الخ) ممَّا يضع ضغوطًا وعوائق أمام الأهداف والغايات الاستراتيجية للشركة.

يعدُّ الهيكل الجغرافي (geographic structure) من الهياكل التنظيمية الأخرى التي تهدف إلى الانتقال من آليّة التنظيم الميكانيكي إلى التنظيم العضوي من أجل تقديم المنتجات والخدمات الملائمة وتلبية حاجات الزبائن بسرعة أكبر. تُحدَّدُ التقسيمات في هذا الهيكل بناءً على أماكن تواجد الزبائن الذين تقدِّم الشركة خدماتها لهم. لقد نشأ الهيكل الجغرافي نظرًا لاتّساع رقعة الشركات محليًّا وإقليميًّا وحتى عالميًّا، ويعدُّ امتدادًا وتطوّرًا للهيكل القطاعي.

Geographic-Structure1.jpgGeographic-Structure2.jpg
الهيكل الجغرافي (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

يمنح التنظيم على أساس جغرافي كل وحدة جغرافية القدرة على فهم المنتجات والخدمات ودراستها وتصميمها بالاستعانة بالمعرفة المتعلِّقة باحتياجات الزبائن وأذواقهم واختلافاتهم الثقافية في كل منطقة جغرافية. تشبه مزايا وعيوب الهيكل الجغرافي تلك الخاصة بالهيكل القطاعي. إنَّ الجانب السلبي الرئيسي في الهيكل التنظيمي الجغرافي هو أنَّه من السهل أن تُصبح عملية اتخاذ القرارات لا مركزية نظرًا لأنِّ البعد الكبير للقطاعات الجغرافية (التي قد تبعد مئات أو آلاف الأميال عن مقر الشركة) قد يمنحها قدرًا كبيرًا من الاستقلالية، لذلك ينبغي على الإدارة العامة أن تحرص على التحكّم والتنسيق الفعَّال بين قطّاعاتها أو وحداتها الجغرافيّة المستقلّة.

IBM-China.jpg
مبنى شركة IBM في الصين. اختارت شركة IBM الهيكل الجغرافي الذي كان الهدف منه أن يبتعد التصميم التنظيمي عن الميكانيكية وأن يصبح أكثر عضوية من أجل تقديم المنتجات والخدمات الملائمة للزبائن بسرعة أكبر. تُحدَّد التقسيمات في هذا الهيكل بناءً على أماكن تواجد الزبائن الذين تقدِّم الشركة خدماتها لهم. لقد نشأ الهيكل الجغرافي نظرًا لأنَّ الشركات أصبحت أكثر عالمية، ويعدُّ امتدادًا للهيكل القطاعي. (مصدر الصورة: حساب Cory Denton/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic (CC BY 2.0))

يقترب الهيكل المصفوفي (matrix structure) الموضَّح في الشكل التالي أكثر من التنظيمات العضوية استجابةً لحالة عدم التأكُّد والتعقيد والمُتغيُّرات المتسارعة في بيئات العمل الخارجية. لقد نشأ الهيكل المصفوفي في الواقع في ستينيات القرن العشرين عندما تعاقدت شركات الطيران الأمريكية مع الحكومة، إذ كان على هذه الشركات وضع رسوم بيانية تبيِّن هيكلية فريق إدارة المشروع الذي سيُنفِّذ العقد ويبيِّن كيفية ارتباط هذا الفريق بالهيكل الإداري العام للمؤسسة. بناءً على ذلك، كان يتوجَّب على الموظفين تقديم التقارير إلى جهتين في الوقت نفسه: الحكومة وشركة الطيران. أصبحت الشركات وقطاعات الأعمال الأخرى منذ ذلك الحين تتبنَّى هذا الهيكل المصفوفي وتستخدمه لأنَّه يوفِّر المرونة ويساعد على تكامل عملية اتخاذ القرارات، سيّما في الشركات ذات التنظيمات الوظيفية.

Matrix-Structure.JPG
الهيكل المصفوفي (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

يدمج التنظيم المصفوفي بين الهياكل التنظيمية العمودية والأفقية بواسطة فِرق العمل. تقوم الإدارة العمودية المتخصّصة بوظيفة معيّنة بإدارة كافّة الموظّفين - الذين يعملون في مجموعات منفصلة (لإنجاز مشاريع مختلفة) - في هذا التخصّص (مثل تخصص التسويق) بحيث تشكّل هذه الإداراة العمودية الوظيفية بمجموعها تنظيمات أفقيّة محدّدة تهدف إلى إنجاز مشاريع أو أهداف معيّنة. بمعنى آخر، إن الهيكل التنظيمي يعتمد على تشكيل بُنى أفقيّة تشكّل فِرقًا مستقلّة، وهذا ساهم في تسريع عمليّة نقل وتنسيق المعلومات بين التنظيم الإداري (الإدارة العمودية مثل مدير التسويق) وبين المجموعات التي تعمل على مشاريع مختلفة..

هناك بُعدان للسلطة في هذا الهيكل كما هو موضَّح في الشكل السابق، إذ يخضع الموظفون لرئاسة مدير القسم الوظيفي ورئاسة مدير الفريق الذي يعمل على المشروع أو المنتج في الوقت نفسه. أحد عيوب الهيكل المصفوفي هو حالة الحيرة والصراع التي يعاني منها الموظفون نظرًا لوقوعهم تحت رئاسة مديرين، إذ يحتاج الموظفون (بالإضافة إلى المديرين وقادة المشاريع) إلى امتلاك مهارات التواصل الجيِّد ومهارات إدارة النزاعات والمهارات السياسية حتى يتمكَّنوا من العمل بفعالية في المؤسسة.

هناك أنواع مختلفة من هياكل المصفوفة، والتي تُستخدم في بيئات العمل الأكثر تعقيدًا. على سبيل المثال، هناك الفرق المصفوفية تبادليّة الوظائف والتي يرسل فيها الموظفون الذين يعملون في بنية تنظيمية معينة (التسويق مثلًا) تقريرًا عن سير العمل إلى رئيس بُنية أخرى (الإنتاج مثلًا) على الرغم من أنه ليس مشرفهم أو رئيسهم الرسمي. هناك أيضًا الفرق المصفوفية الوظيفية والتي ينسِّق فيها الموظفون الذين يعملون في فريق واحد (فريق المشروع رقم 1 مثلًا) مع فريق داخلي آخر (فريق المشروع رقم 2 مثلًا) بنفس مجال التخصص (التسويق على سبيل المثال) وقد يعملون أيضًا مع فِرق أخرى بمجال آخر (مثل فِرق الانتاج) من أجل وضع وتحقيق هدف مشترك قصير المدى. هناك أيضًا الفرق المصفوفية العالمية التي تتكوَّن من موظفين من مناطق وبلدان وثقافات مختلفة يجتمعون لتحقيق هدف قصير المدى مرتبط بمشروع أو زبون معيَّن. تُعدُّ أنواع الفِرق المصفوفية التي ذكرناها من البنُى الأساسية والتي تتطور وتنمو باستمرار في المؤسّسات ذات التنظيمات الأفقية التي تتجاوز المناطق الجغرافية والزمنية والمهارات وهياكل السلطة التقليدية لتلبية احتياجات ومتطلبات الزبائن والشركات.

كُجزء من البنية التنظيمية التي سنتطرّق إليها في الفقرة التالية، فرق العمل المتشابكة، يجب على أعضاء المؤسسة في الهيكل المصفوفي أن يتعلَّموا كيف يتعاونون مع زملائهم عبر المسافات والثقافات والحواجز الأخرى. غالبًا ما يعاني أعضاء الفريق في الهيكل المصفوفي من مشكلة انقسام الولاء بين قائد الفريق الذي يعملون فيه والرئيس الوظيفي لهم، وفي هذه الحالة يكون لديهم أهداف خاصة بالفريق وأهداف وظيفية تتنافس من أجل الحصول على وقتهم واهتمامهم، كما أنَّ لديهم عدة رؤساء وغالبًا ما يعملون في أكثر من فريق في الوقت نفسه. بالنسبة لبعض أعضاء الفريق، قد تكون تلك المرة الأولى التي يكونون فيها مسؤولين عن نتائج تتعدَّى تحقيق أهدافهم الوظيفية التي وُظّفوا لأجلها فقط. يستمتع بعض الأفراد بهذه المساحة والمسؤولية الزائدة اللتين يوفِّرهما الهيكل المصفوفي، في حين يشعر آخرون بثقل المسؤولية وأنَّ الأمور خارج نطاق سيطرتهم وقدرتهم. ينبغي على الأفراد أن يقلِّلوا من تركيزهم على الهيكلية ويزيدوا من تركيزهم على السلوكيات لكي يتمكَّنوا من النجاح في هذه الأنواع من الهياكل التنظيمية الأفقية.

هيكل فِرق العمل المتشابكة (Networked team structures) هو نوع آخر من أنواع التنظيمات الأفقية، وهذه الفِرق أقل رسمية وأكثر مرونة من فرق العمل في الهيكل المصفوفي. للشبكات خاصيِّتان بارزتان هما: التجمُّع وطول المسار. يشير التجمُّع (clustering) إلى درجة احتواء الشبكة على مجموعات متماسكة من النقاط داخل الشبكة نفسها، في حين أنَّ طول المسار هو مقدار المسافة التي تُقاس بمتوسط عدد الروابط التي تربط أي نقطتين داخل الشبكة. بإمكانك الاطّلاع على المزيد من المعلومات و التفاصيل الفنيّة من المصدر المذكور في الحاشية. يتشكّل هيكل فِرق العمل المتشابكة تلقائيًا بعد تعيين الفِرق لإنجاز مهمّة معيّنة، فمثلًا قد يحتاج أعضاء الفريق مساعدة أفرادٍ من مجموعات أخرى يتعاونون معهم لتحقيق الرؤية أو الرسالة أو لحل المشكلات أو استغلال الفرص التي تصادفهم، فهذا التعاون الذي ينشأ بين هذه الفِرق ذات الأصول التنظيمية المختلفة تشكّل بمجملها تنظيمًا متشابكًا، وذلك طبعًا في حال لم تمانع أو تعيق المؤسسات أو القادة هذا التعاون.

ليس هناك تصوُّر نموذجي لهيكل فِرق العمل المتشابكة، إذ تحدِّد الشركات المختلفة شكل فِرق العمل بصورة مبدئية من أجل حل المشكلات والعثور على الفرص واكتشاف الموارد اللازمة. بمعنى آخر، إنَّ التنظيم المتشابك (أو التشابكي) هو جُزء من المؤسسة ولكنَّه يقوم على ظهور ارتباطات (تشابكات) غير رسمية بين فِرق المؤسسة نفسها لإنجاز هدف معين قد يكون من الصعب تحقيقه في حالة التنظيم الرسمي للمؤسسة (مثلًا قد يحتاج فريق التسويق مساعدة فريق الانتاج في مهمّة تسويقية معيّنة خاصّة به، فنشوء هذا التشابك المؤقت بين هذين الفريقين يُدعى تنظيمًا تشابكيًّا غير وظيفي أو غير رسمي)، ويدلُّ ذلك على أنَّ الهيكل التنظيمي التشابكي يركِّز على العلاقات والشبكات وفِرق العمل والمجموعات والمجتمعات بدلًا من التركيز على التسلسل الإداري. يمثِّل الشكل التالي رسمًا توضيحيًا مقترحًا لهذا الهيكل.

Networked-Team-Structure.jpg
هيكل فِرق العمل المتشابكة (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

أشار استطلاع Global Human Capital Trends لعام 2017 إلى أنَّ المؤسسات تتحوَّل من الهياكل الرأسية إلى الهياكل العضوية باستمرار، وأنَّه يجري تطويع التنظيمات القائمة على الشبكات لتلائم الشركات الكبيرة التي تتطلَّب نطاق وصول أكبر وردودًا أسرع على الزبائن. تبيِّن الدراسات أنَّ الوقت الذي نمضيه مع أشخاص قريبين من مكاتبنا أكبر بعشرة أضعاف من الوقت الذي نمضيه مع الأشخاص الذين يبعدون عنا أكثر من 50 مترًا. لذلك بغض النظر عمّا تشير إليه استطلاعات المؤسّسات حول آليّة تنظيمها الثابتة، فإن الأعمال اليوميّة التي تجري فيها تتضمّن حتمًا شكلًا من أشكال التنظيم التشابكي. لذلك فإنَّ مستقبل المؤسسات سيكون ضمن إطار شبكات مترابطة من فِرق العمل.

إنَّ مزايا هيكل فِرق العمل المتشابكة مشابهة لمزايا التنظيمات العضوية الأفقية والمصفوفية التي ذكرناها سابقًا، في حين أنَّ نقاط ضعف هذا الهيكل تتضمن ما يلي:

  1. الحاجة إلى إنشاء خطوط اتصال واضحة لإسناد مهام المشروع للموظفين المتشابكين وإعلامهم بالمواعيد النهائية.
  2. ضرورة الاعتماد على التكنولوجيا خاصةً اتصالات الإنترنت وخطوط الهاتف، إذ قد تحدث تأخيرات في عملية الاتصال نتيجة تعطُّل الحواسيب وأخطاء الشبكة ومشكلاتها، بالإضافة إلى أنَّه قد يكون من الصعب مشاركة المعلومات الإلكترونية خارج حدود الدولة.
  3. قد يؤدِّي عدم وجود مكان مركزي على أرض الواقع يعمل فيه جميع الموظفين أو يلتقون فيه من حين لآخر لإجراء الاجتماعات ومراجعة النتائج إلى حدوث الأخطاء واضطراب العلاقات وتناقص الإنجازات التي يتم تسليمها في الموعد المحدَّد.

لقد نشأ الهيكل الافتراضي (virtual structure) في التسعينيات من القرن العشرين استجابةً للحاجة إلى المزيد من المرونة، والمهام التي تتطلَّب حلولًا مباشرة، وتقليل القيود الجغرافية، وسهولة الوصول إلى الخبرات المنتشرة حول العالم. يعتمد الهيكل الافتراضي على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، وهو موضَّح في الشكل التالي.

Virtual-Structure.jpg
الهيكل الافتراضي (حقوق النشر محفوظة لجامعة رايس، OpenStax، مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي (CC-BY 4.0))

يختلف هذا الهيكل التنظيمي عن هيكل فِرق العمل المتشابكة في أنَّ المقر الرئيسي قد يكون المقر الثابت الوحيد للمؤسسة. عدا ذلك؛ فإنَّ المؤسسات التي تتبنى هيكل التنظيم الافتراضي ليس لها حدود. من الأمثلة على الشركات التي تستخدم هذا الهيكل: شركة أوبر، وشركة Airbnb، وشركة ريبوك، وشركة نايك، وشركة بوما، وشركة ديل. تستخدم المؤسسات أشكال مختلفة من الهياكل الافتراضية لمراكز الاتصال وغيرها من المهام والمناصب والمشاريع التي تُنفَّذ بالاستعانة بمصادر خارجية.

Technological-Disruption.jpg

إنَّ تكنولوجيا المعلومات ووسائل التواصل الاجتماعي التي تعمل بواسطة الإنترنت والتي تستخدمها الشركات التي تتبنَّى نظام الاقتصاد التشاركي مثل شركة Airbnb وشركة أوبر قد زادت المنافسة وجعلتها ذات طابع ديمقراطي في العديد من المجالات مثل سيارات الأجرة و تأجير الأملاك العقارية والخدمات الفندقية. (مصدر الصورة: Grid Engine/ فليكر/ مستخدمة تحت رخصة المشاع الإبداعي Attribution 2.0 Generic ‏(CC BY 2.0))

تتضمن مزايا الهياكل التنظيمية الافتراضية: التوفير في التكاليف، وسرعة الرد على العملاء، والوصول لقوى عاملة متنوعة لا تتقيَّد بنظام العمل لثمان ساعات، وتقليل التأثيرات الضارَّة بالبيئة. على سبيل المثال، منعت سياسات العمل عن بعد الخاصة بشركة ديل وشركة أتنا للرعاية الصحية وشركة زيروكس انبعاث 95294 طن متري من الغازات الدفيئة في العام الماضي وهو يعادل إيقاف 20000 مركبة ركَّاب عن العمل. في المقابل، تتضمن سلبيات هذا الهيكل: العزلة الاجتماعية للموظفين الذين يعملون عبر الإنترنت، واحتمالية ضعف الثقة بين الموظفين والشركة وبين الموظفين أنفسهم عندما تكون عمليات التواصل محدودة، وقلة التعاون بين الموظفين ومسؤولي المؤسسة نظرًا لقلة التفاعل الاجتماعي فيما بينهم.

سنتحدث في المقال التالي من هذه السلسلة عن الأبعاد الداخلية المكِّملة لهيكل المؤسسة والتي تتأثَّر ببيئة العمل الخارجية وتؤثِّر عليها.

ترجمة -وبتصرف- للفصل Organizational Designs and Structures من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...