اذهب إلى المحتوى

اتخاذ القرارات الإدارية


هيفاء علي

إن عملية بناء المؤسسات وتطويرها ونقلها من المحلية إلى العالمية يجب أن تستند إلى خطوات جريئة وخطط مُحكمة مدعومةٍ بقراراتٍ حكيمة ومناسبة، وفي مقالنا هذا سنسلّط الضوء على آلية اتخاذ القرارات والخصائص الأساسية لها، كما سنتعرّض إلى أنظمة اتخاذ القرارات والعوائق التي تصعّب هذه العملية، وسنتطرّق كذلك إلى كيف يمكن للمدير أن يحسّن من جودة القرارات التي يتّخذها في مؤسسته والتي تلعب دورًا مهمًّا في ارتقائها وتقدّمها.

استكشاف المهن الإدارية

كيف أسَّست ستيفاني كوري وجين روبيو شركة Away لحقائب السفر

كان على جين روبيو وستيفاني كوري أن يتخذوا عددًا من القرارات المهمة عندما أرادوا البدء بإنشاء شركة خاصة بهم لبيع حقائب السفر أطلقوا عليها اسم Away، وكان أول هذه القرارات هو البدء بشركتهما التجارية! جاء هذا القرار بعد أن كُسرت حقيبة السفر الخاصة بروبيو أثناء إحدى الرحلات، وقد شعرت بالانزعاج لأنَّ جميع خيارات حقائب السفر المتوفرة في الأسواق إما رخيصة الثمن (100$ أو أقل) وجودتها منخفضة أو مكلفة جدًا (400$ أو أكثر) وجودتها عالية، ولم يكن هناك خيارًا يتوسطهما، لذلك بدأت روبيو وصديقتها ستيفاني كوري دراسة سوق حقائب السفر عام 2015. لقد وجدتا أنَّ سبب ارتفاع أسعار حقائب السفر ذات الجودة العالية يعود إلى طريقة توزيعها وبيعها عبر متاجر البيع بالتجزئة المتخصصة والمتاجر الكبرى، وأنّ بإمكانهما توفير حقائب عالية الجودة بأسعار متوسطة (200$-300$) إذا اختارتا أسلوبًا يمكنهما بواسطته البيع مباشرة إلى المستهلكين. تكوَّنت لدى روبيو وكوري بعد دراسة مستفيضة قناعة بأنَّهما يمتلكان فكرة تستحقُّ المُحاولة، وقد اتفقتا على إطلاق اسم «Away» على الشركة التي تهدف إلى توفير تجربة مُريحة للمسافرين.

كان لدى كلًا من مؤسِّستَي الشركة خبرة سابقة في العمل في شركة ناشئة في مجال التجارة الإلكترونية (شركة واربي باركر)، وهذا قد ساعدهما على اتخاذ قرارات صائبة. كانت خبرة روبيو مُنصَبَّة أكثرها على صنع العلامات التجارية والتسويق، في حين كانت خبرة كوري متركِّزة في إدارة سلاسل الإمداد والعمليات التشغيلية، لذا كانت كل منهما قادرة على إضافة خبرة كبيرة إلى العديد من جوانب العمل. لقد جمعتا الأموال من الأصدقاء والعائلة في البداية، ولكنَّهما حاولتا بعد شهور قليلة الحصول على تمويل رأس المال الاستثماري (venture capital funding) لكي تضمنا امتلاك ما يكفي من المال لبداية ناجحة.

كان أحد القرارات المهمة التي كان على روبيو وكوري اتخاذها في بدايات إنشائهما للعمل الخاص بهما هو الاتفاق على تصميم أوليّ للمنتج، وتطلَّب هذا القرار تسويق واسع النطاق ودراسة سلوك المستهلكين من أجل فهم احتياجاتهم ورغباتهم. لقد سألتا مئات الأشخاص عن الأشياء التي يحبونها في حقائب السفر الحالية وعن أكثر الأشياء التي تزعجهم بشأنها، كما تعاقدتا مع فريق تصميم مكوَّن من شخصين حتى يساعداهما في إنشاء النموذج الأولي، وبعد جهود كبيرة من الدراسة والتطوير تمكنتا من الخروج بالتصميم الأوليّ للحقيبة، والذي تميّز بخفّة وزنه وتصميمه المُلفت. للحقيبة أيضًا عجلات ذات جودة عالية جدًا (العجلات الأربعة وليس اثنتين) وسحَّابات عالية الجودة، ومن مميزاتها الإضافية احتوائها على بطارية مدمجة لشحن الهواتف والأجهزة الأخرى.

كان على مؤسِّستَي الشركة اختيار شريك لتصنيع المنتج الخاص بهما، وقد اكتشتفتا أنَّ عملية التصنيع في الولايات المتحدة ليست خيارًا جيّدًا لأنَّ لمنتجهما هيكل صلب مصنوع من البولي كربونات والغالبية العظمى من مصَّنعي الحقائب الذين يستخدمون هياكل البولي كربونات موجودون في آسيا. لقد درستا عددًا من خيارات شراكات العمل المتاحة أمامهم وطرحوا الكثير من الأسئلة. علاوةً على ذلك، زارت روبيو وكوري جميع المصانع المدرَجة ضمن قائمة خياراتهم لمُعاينتها على أرض الواقع، وكانت هذه الخطوة جزءًا مهمًا من عملية الدراسة لأنَّهم وجدوا أنَّ جودة المُنتجات التي تُبهرجها الشركات في دعاياتها وإعلاناتها لم ترتق في الواقع إلى المستوى المطلوب. قرَّرت روبيو وكوري في النهاية العمل مع شريك مصنِّع في الصين ينتج حقائب سفر أيضًا للعديد من العلامات التجارية الفاخرة، وكانتا سعيدتين جدًا بهذه الشراكة، كما داومتا على تخصيص جزء من الوقت لتنمية تلك العلاقة والحفاظ عليها، وقد ساعد هذا على تجنُّب المشكلات التي كان من الممكن أن تنشأ.

لقد تمكّنتا روبيو وكوري في نهاية عام 2015 من تطوير منتجهما الأول، وقد قرَّرتا السماح للزبائن بالطلب المسبق لحقائب السفر لأنَّها لن تكون متوفِّرة في موسم التسوق في العطلات، وقد شاركتا معًا في التسويق لمنتجهما عن طريق السرد القصصي، إذ أجريتا مقابلات مع 40 عضوًا من أوساط المبدعين الذين يحظون باحترام كبير بخصوص تجاربهم في السفر وأصدرتا كتابًا عن ذكريات السفر باسم The Places We Return To. لم يكن الكتاب ممتعًا وجذَّابًا فحسب؛ بل لفت أنظار الكثير من الأشخاص في الأوساط الإبداعية إلى حقائب شركة «Away» أيضًا. أصبح الكتاب متوفرًا منذ نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2015 مجانًا مع شراء بطاقة هدية يمكن استبدالها بحقيبة في فبراير/شباط من العام 2016. أثار الكتاب فور إصداره اهتمامًا كبيرًا وجذب الانتباه إلى المنتج بشكلٍ مُسبق، وقد بِيعت جميع النسخ المطبوعة منه والبالغ عددها 1200 نسخة، وحصلت شركة «Away» على إيرادات بمقدار 12 مليون دولار من مبيعات السنة الأولى فقط.

كان أمام ستيفاني كوري وجين روبيو العديد من القرارت المهمة والجديدة المتعلِّقة بالبدء في إنشاء شركتهم الخاصة وتطويرها، وكان أحد أسباب نجاحهما هو أنَّهما اتخذتا هذه القرارات بحكمة عن طريق الاعتماد على معرفتهما المشتركة وخبرتهما والكثير من البحث والدراسة قبل التوصُّل إلى أي قرار، وستستمرَّان في مواجهة العديد من القرارات المهمة والثانوية. لقد قامتا بتوسيع خط منتجاتهما من صنف واحد من حقائب السفر إلى أربعة أصناف، وتخطِّطان إلى بيع المزيد من حقائب السفر الأخرى -وغيرها من ملحقات السفر- في المستقبل. ارتفع عدد موظفي الشركة -التي اتخذت من مدينة نيويورك مقرًا لها- ليصل إلى أكثر من 60 موظفًا خلال أول عامين، ومن ضمن هؤلاء الموظفين عضوا فريق التصميم اللذان تم التعاقد معهما للمساعدة في تصميم النموذج الأولي، إذ أعربت روبيو وكوري عن تقديرهما لمجهوداتهما وعرضتا عليهما وظائف بدوام كامل في شركة «Away». كل عملية توظيف جديدة تعني وجود قرارات جديدة متعلِّقة بماهية العمل المطلوب إنجازه وبالشخص الذي يتعيَّن عليهم توظيفه لإنجاز ذلك العمل، كما أنَّ كل منتج جديد تصاحبه قرارات جديدة، ولكن يبدو أنَّ روبيو وكوري قد رسمتا لأنفسهما (ولشركتهما) طريقًا للنجاح في المستقبل.

المصادر:

يتخذ المديرون وأصحاب الأعمال التجارية -أمثال جين روبيو وستيفاني كوري- قرارات يوميًا. بعض هذه القرارات مهمة مثل قرار البدء بمشروع تجاري جديد، في حين أنَّ معظمها قرارات أقل أهمية متعلِّقة بطبيعة إدارة الشركة ولكنّها ضرورية لنجاحها على المدى البعيد. بعض القرارات من الممكن التنبؤ بها، وبعضها غير متوقَّع. سنستعرض خلال هذا المقال معلومات مهمة عن عملية اتخاذ القرارات ستساعدك على اتخاذ قرارات أفضل وعلى أن تكون مديرًا أفضل في نهاية المطاف.

نظرة عامة على عملية اتخاذ القرارات الإدارية

ما هي الخصائص الأساسية لعملية اتخاذ القرارات الإدارية؟

عملية اتخاذ القرارات هي عملية التفكير في البدائل الممكنة واختيار واحدًا منها.

من المهم إدراك أنَّ المديرين يتخذون قرارات باستمرار وأنَّ جودة اتخاذهم للقرارات يؤثِّر -بدرجة كبيرة جدًا في بعض الأحيان- على فاعلية المؤسسة وأصحاب المصلحة. يشمل أصحاب المصلحة جميع الأفراد أو المجموعات التي تتأثر مصالحها بمصالح المؤسسة (مثل الزبائن، والموظفين، والمساهمين، …إلخ)

يتخذ أعضاء فريق الإدارة العليا على نحو متكرر قرارات تؤثِّر على مستقبل المؤسسة وجميع أطرافها المعنية، ومن الأمثلة على هذه القرارات هو تحديد ما إذا كانوا سيستخدمون إحدى التقنيات الحديثة أو سينشئون خط إنتاج جديد. القرار الجيِّد سيُسهم في ازدهار المؤسّسة واستمرارها على المدى الطويل، في حين أنَّ القرار السيِّئ قد يقودها إلى الإفلاس. عادة ما يؤثِّر المديرون في مستويات الإدارة الأدنى بدرجة أقل على استمرار المؤسسة، ولكن يمكن أن ينعكس تأثيرهم بدرجة كبيرة على أقسامهم وعلى الموظفين الذين يعملون فيها. تأمَّل -مثلًا- في تأثير المشرفين المباشرين (في مستوى الإدارة المباشرة) المسؤولين على وضع جداول الأعمال الخاصة بالعمال وتأمين المواد الخام في أقسامهم. من المستبعد أن تقود القرارات السيِّئة التي يتخذها المديرون في مستويات الإدارة الأدنى إلى زوال الشركة بأكملها، ولكنّها قد تؤدِّي إلى العديد من النتائج السلبية مثل:

  • انخفاض الإنتاجية بسبب قلة عدد العمال أو عدم كفاية المواد الخام اللازمة.
  • زيادة النفقات بسبب كثرة عدد العمال أو وجود فائض من المواد الخام، خاصةً إذا كان عمرها الافتراضي محدودًا أو إذ كانت تكلفة تخزينها مرتفعة.
  • انتشار الإحباط وانخفاض الروح المعنوية وزيادة معدل دوران الموظفين (الذي من الممكن أن يكون مكلفًا بالنسبة للمؤسسة) إذا كانت القرارات متعلِّقة بإدارة الموظفين وتدريبهم.

تحديد وقت اتخاذ القرار

في حين أنَّ بعض القرارات بسيطة، إلا أنَّه غالبًا ما تكون القرارات التي يتخذها المديرون معقدة تتطلَّب الاختيار بين مجموعة من البدائل المختلفة والتي لا يُمكن التكهّن بوقعِها ونتائجها. المديرون في مثل هذه الحالات بحاجة إلى جمع المعلومات، وهذا يقودهم إلى قرار مهم آخر وهو تحديد مقدار المعلومات اللازمة لاتخاذ قرار جيِّد. كثيرًا ما يتخذ المديرون القرارات دون أن يكون لديهم معلومات كافية، وإنَّ من إحدى السمات المميزة للقادة الفعَّالين قدرتهم على تحديد متى ينبغي عليهم تأجيل اتخاذ قرار معين من أجل جمع المزيد من المعلومات ومتى ينبغي عليهم اتخاذ القرار بمقتضى المعلومات المتوفرة. يمكن أن يكون للتباطؤ في اتّخاذ القرارات نتائجًا لا تقلُّ سوءً عن التسرُّع في اتخاذها، إذ من الممكن أن تؤدِّي عدم الاستجابة السريعة إلى ضياع الفرص، ولكنَّ التسرُّع -في المقابل- قد يؤدِّي إلى سوء توزيع موارد المؤسسة على المشاريع ومن ثمَّ غياب فُرص نجاحها.

يجب على المديرين الفعَّالين أن يحددوا ما إذا كانوا قد جمعوا معلومات كافية، ويجب عليهم أن يكونوا مستعدِّين لتغيير مسارهم إذا توفرَّت معلومات جديدة تدلُّ على أنَّ القرار الأول لم يكن صائبًا. يمكن أن تُشكِّل عملية تغيير المسار تحدِّيًا بالنسبة للأفراد ذوي التقدير الذاتي المنخفض لأنَّ اعترافهم بارتكاب خطأ ما قد يكون أصعب عليهم من المضي قدمًا في طريقٍ خطأ. يدرك المديرون الفعَّالون أنَّ بعض الإخفاقات لا مفرَّ منها بسبب الطبيعة المعقَّدة للعديد من المهام، كما أنَّهم يعلمون أنَّه من الأفضل تقليل الأثر الذي تُلحقه القرارات السيئة بالمؤسسة وأصحاب المصلحة من خلال الاكتشاف المبكر لها ومن ثمّ تصحيحها.

ما هو القرار الصحيح؟

تجدر الإشارة إلى أنَّ اتخاذ المدير للقرارات لا يشبه اختبارات الاختيار من متعدد على الإطلاق، إذ إنّ هناك إجابة واحدة صحيحة في تلك الاختبارات، ونادرًا ما يكون الحال هكذا عندما يتعلَّق الأمر بالقرارات الإدارية. يختار المدير أحيانًا من بين عدة خيارات جيِّدة ولا يكون الخيار الأفضل واضحًا بالنسبة له، ويكون هناك عدة خيارات سيِّئة في أحيان أخرى وتكون مهمة المدير في هذه الحالة تحديد الخيار الأقل ضررًا. غالبًا ما يكون هناك تضارب في مصالح الأفراد داخل المؤسسة الواحدة، ويجب على المدير أن يقوم باتخاذ القرار آخذًا بعين الاعتبار أنَّ ذلك القرار قد لا يصبُّ في المصلحة الشخصيّة للعديد من أفراد المؤسّسة، ولكنّه القرار الأفضل للمصلحة العامّة للشركة.

ما هو القرار الأخلاقي الصحيح؟

يقع على عاتق المديرين أحيانًا اتخاذ قرارات لا تتعلّق بانزعاج أحد أصحاب المصلحة فحسب، إذ قد يُطلب منهم اتخاذ قرارات يمكنها أن تُلحق الضرر بالآخرين، ويترتَّب على هذه القرارت عواقب أخلاقية. تشير الأخلاق إلى معتقداتنا المتعلِّقة بالصواب والخطأ، والخير والشر، والفضيلة والرذيلة، كما ترتبط الأخلاق -ضمنيًا- بتفاعلاتنا مع الآخرين وتأثيرنا عليهم؛ فإذا لم يكن يتوجَّب علينا التفاعل مع غيرنا، لن نضطر إلى التفكير في أثر تصرُّفاتنا على الأفراد والمجموعات الأخرى. لكن جميع المديرين يتخذون قرارات تؤثِّر على الآخرين، لذلك من المهم الانتباه إذا ما كان الأثر الذي تتركه قراراتنا إيجابيًا أم سلبيًا.

غالبًا ما تستخدم عبارة «زيادة ثروة المساهمين» كمسوِّغ لإعطاء الأولوية للأرباح قصيرة الأجل على حساب حاجات الأطراف الأخرى التي ستتأثَّر بالقرار مثل الموظفين والزبائن والمواطنين المحليين (الذين قد يتأثرون بالقرارات المرتبطة بالبيئة على سبيل المثال)، ولكن غالبًا ما يكون قرار زيادة ثروة المساهمين قرارًا يتسِّم بقصر النظر لأنَّه قد يُلحق الضرر بالمصلحة المالية للمؤسسة في المستقبل. السمعة السيئة ومقاطعة الزبائن للمؤسسة والغرامات الحكومية جميعها نتائج محتملة الحدوث على المدى البعيد إذا اختار المديرون خيارات تسبِّب ضررًا في سبيل زيادة ثروة المساهمين، لذلك فإن زيادة ثروة المساهمين ليست مُبرّرًا لإلحاق الضرر بالآخرين.

إنَّ الإدارة ليست للأشخاص الذين تنقصهم الجرأة كما تلاحظ من خلال الأمثلة الموجزة السابقة! لكن قد تشعر بقمة الرضا إذا شغلتَ منصبًا يخوِّلك من اتخاذ قرارات لها تأثير إيجابي على المؤسسة وأصحاب المصلحة. وسنوضّح ذلك بشكل أكبر في مثالنا التالي.

قصة نجاح شركة باتاغونيا

غالبًا ما يكون التركيز الأساسي لأي مدير أو صاحب شركة على تحقيق الأرباح، ولكن يختار قادة المؤسسات في بعض الأحيان السعي إلى إحراز هدفين كبيرين في وقتٍ واحد وهما: تحقيق الربح وتقديم النفع للمجتمع بطريقة ما. ما السبب في ذلك؟ يرجع السبب عادةً إلى اعتقادهم بأنَّه من المهم القيام بذلك، إذ يوفِّر العمل التجاري فرصة لإحراز هدف آخر يحظى باهتمام المؤسِّسين والمالكين والمديرين.

تعدُّ شركة باتاغونيا المتخصِّصة في بيع الملابس مثالًا واقعيًّا على الشركات التي تسعى إلى تحقيق الربح والمنفعة العامّة في آنٍ واحد، إذ أنَّ العبارة التي تبيِّن رسالة الشركة تقول: «نحن نعمل من أجل حماية كوكبنا الذي نسكن في كنفه». تهتم شركة باتاغونيا جدًا بالمحافظة على البيئة وتتبرع بما لا يقل عن 1% من مبيعاتها السنوية للمنظمات البيئية المحليّة.

اتخذ مؤسس شركة باتاغونيا (يوفون شوينارد) قرارًا في منتصف التسعينيات من القرن الماضي يقتضي بصناعة الملابس باستخدام القطن العضوي عندما علِم أنَّ الطريقة المستخدمة في زراعة القطن الذي يستورده تُلوِّث التربة والمياه وتضُر بصحة العاملين. لم يكن تنفيذ ذلك القرار سهلًا، إذ كان عدد مزوِّدي القطن العضوي قليلًا واضطرت الشركة إلى تعلُّم كيفية زراعته والعمل مع المزوِّدين خطوة تلو أخرى حتى يحصلوا على القطن المطلوب .

تُطلق الشركة حملات تشجِّع خلالها زبائنها على تقليل عمليات الشراء التي يقومون بها وتسعى إلى تحقيق نموذج اقتصادي مسؤول لا يستند على فكرة الاستهلاك التي غزت العالم، ومن هذه الحملات الحملة التي أطلقتها عام 2011 والتي تحمل عنوان «لا تشترِ هذا المعطف». توفِّر شركة باتاغونيا أيضًا خدمة خاصة لإصلاح الملابس القديمة وتتيح للزبائن استبدال قطع الملابس فيما بينهم.

هناك ثمن مقابل كل الجهود التي تهدف إلى تقديم النفع، أليس كذلك؟ في الواقع، تُظهر الدراسات أنَّ متوسّط الأرباح والعائدات الماليّة للشركات التي تبّنت فكرة الاستدامة أكبر من تِلك التي لم تنهج هذا النهج. علاوةً على ذلك، غالبًا ما يرغب الناس في العمل في المؤسسات التي تسعى إلى تقديم النفع (خاصةً الأشخاص الذين يؤمنون بقيم مماثلة لقيمها)، لذلك يميل الموظفون الذين يعملون في هذه المؤسسات إلى أن يكونوا مخلصين جدًا لها، كما أنَّ مستويات اندماجهم في العمل ودافعيتهم وإنتاجيتهم تكون مرتفعة. يمنح هذا الشغف والاهتمام قيمةً للمؤسسة ويثبت أنَّه من الممكن تحقيق الربح وتقديم النفع للمجتمع في الوقت نفسه.

المصادر:

ترجمة -وبتصرف- للفصل Overview of Managerial Decision-Making من كتاب Principles of Management

اقرأ أيضًا


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...