اذهب إلى المحتوى

اتجاهات المنافسة الحديثة في التجارة الدولية


مجد اسماعيل

في هذا المقال من سلسلة مقالات مدخل إلى عالم الأعمال، سنطلع عن كثب عن الاتجاهاتِ الحديثة التي لن تنفكَّ تدفعُ النموَّ المتسارع في التجارة الدولية، وتلك الاتجاهاتُ هي توسُّعُ السوق، واكتساب الموارد، وصعود الصين والهند.

توسع السوق

لعلَّ أهمَّ أسباب النمو في التجارة الدولية؛ مردُّهُ إلى حاجة الشركات إلى توسيع أسواقها، وغالبًا ما يُشكِّلُ حجمُ الأسواقِ المحلية المحدود حافزًا للمديرينَ، إلى التطلع نحو أسواقٍ خارج حدود الدول التي يعملون فيها، فاقتصاداتُ التصنيع واسع النطاق، بحاجة إلى أسواق كبرى؛ إذ لا يمكن للأسواق المحلية توليدُ طلبٍ كافٍ، وخصوصًا في دول أصغر حجمًا مثل الدنمارك، وهولندا. وشركة نستله هي أول شركة تتجه نحو الأسواق العالمية بسبب صغر حجم دولتها الأم سويسرا؛ فقد كانت تشحنُ الحليب إلى 16 دولة في أوائل العام 1875. أما اليوم، فقد باتت مئاتُ آلاف الشركة مُدرِكةً لاحتمال جَنْيِهَا العوائدَ المالية المُجزية، في حال طرقت أبواب الأسواق العالمية.

اكتساب الموارد

يخطو عددٌ متزايد من الشركات نحو الأسواق العالمية؛ طعمًا في الحصول على الموارد التي يحتاجها للعمل فيها بكفاءة، وقد تكون تلك المواردُ عمالةً رخيصة، أو ماهرة، أو موادًا أوليةً شحيحة، أو تقنيات، أو رؤوس أموال، فلدى شركة نايكي على سبيل المثال، منشآتُ تصنيع في العديد من الدول الآسيوية، لتستفيد من العمالة الرخيصة هناك. أما شركة هوندا، فقدِ افتتحت استديو تصميم في ولاية كاليفورنيا لتُضْفيَ تلك "اللمسة الإبداعية الخاصة بكاليفورنيا" على تصاميم بعضِ سياراتها. وتمتلك كبرى البنوك المتعددة الجنسيات مثل: بنك نيويورك، و بنك سيتي غروب -مكاتب في جنيف بسويسرا التي تعد المركز المصرفي الخاص بأوروبا، وتجتذب رؤوس الأموال من حول العالم.

صعود الصين والهند

تؤثر كل من الصين، والهند في الشركات العالمية بطريقة أو بأخرى؛ بوصفهما من محركي الاقتصاد العالمي، وفي هذا السياق، لم يسلم من طفرة الصادرات العالمية الصينية إلا النزر اليسير من القطاعات الاقتصادية، ومنها مزارعو الثوم في كاليفورنيا، وصانعو الجينز في المكسيك، والقوالب البلاستيكية في كوريا الجنوبية، أما التأثير الذي تركتهُ الهند، فقد تمثَّلَ في دفعِ مئات الشركات من تكساس حتى إيرلندا إلى التنافس على ملايين الدولارات في شكل عقود.

وتختلف -إلى حدٍّ ما- أسبابُ نموِّ كلٍّ من تلكما القوتين الاقتصاديتين، و-كذلك- نتائجُه؛ فقد شهدت صادراتُ الصين طفرةً كبرى بفضل الاستثمار الأجنبي؛ إذ تهافتَ كبارُ المصنِّعينَ إليها لتوسيع قاعدة الإنتاج لديهم، ودفعِ الأسعار العالمية نحو الهبوط، يحدوهم في ذلك انخفاض تكاليف العمالة هناك. وتتسابقُ الشركاتُ اليوم، صغيرُها وكبيرُها، والتي تصنع كل شيءٍ بدءًا بمماسح زجاج السيارات، ومرورًا بالغسالات، وليسَ انتهاءً بالملابس، لتخفيض التكاليف في دولها الأم، أو لتعهيد (الاستعانة بموارد خارجية) مزيدٍ مما تصنعه في أماكن رخيصة التكلفة مثل الصين والهند.

وتؤدي العقولُ الهندية اليوم دورًا بالغَ الأهمية في سلسلة الابتكار العالمي، إذ تُعوِّلُ شركاتٌ مثل هوليت-باكارد (Hewlett-Packard) و سيسكو سيستمز، وسواهما من عمالقة التقنيات العالمية، على أفراد طواقمها الهنود، لابتكار منصّاتٍ برمجية، وخاصيات وسائط متعددة لأجهزة الجيل القادم. وقد أسس العالمُ الرئيس في غوغل، كريشنا بارات، مختبرًا تابعًا لشركة غوغل في مدينة بنغالور الهندية، يحتوي على أثاثٍ مختلفة الألوان، وكرات تمارين رياضية، وأورغٍ كهربائيٍّ من ماركة ياماها، وهو يشبه مقر شركة غوغل الواقع في مدينة ماونتن فيو (Mountain View) بولاية كاليفورنيا، وذلك للعمل على تقنية محركات البحث الأساسية، وتستخدم شركاتُ الهندسة الهنديةُ المحاكاةَ الحاسوبية ثلاثية الأبعاد، لتعديل تصاميم كل شيء بدءًا من محركات السيارات، ومرورًا بالرافعات الشوكية، وليسَ انتهاءً بأجنحة الطائرات لزبائن من قبيل شركة جنرال موتورز وبوينغ، وفي حالِ سارت الأمور كما هو متوقَّع، فستنتزع الهندُ من ألمانيا تصنيفها بوصغها رابعَ أكبر اقتصادٍ في العالم، وبحلول منتصف القرن الحالي، ستكون الصينُ قد تبوّأتِ المركزَ الأول في العالم، بدلا من الولايات المتحدة، وعندئذٍ، سيُمثِّلُ إنتاجُ الصين، والهند مجتمعتين نصفَ الناتجِ العالمي.

الأخلاقيات مطبقة على أرض الواقع

أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة

ثمة بعضُ الشركات التي بدأتِ الاستجابة لأهداف التنمية المستدامة، التي أعلنت عنها منظمة الأمم المتحدة، مُتَّخِذةً إجراءاتٍ تنضوي تحتَ ذلك الهدف السامي، الرامي إلى تحقيق تلك الأهداف، فقد تبرعت شركاتٌ عديدة على مدى سنوات، ولا تزالُ تفعل، بأموال، ووقتٍ يكرِّسهُ موظفوها للتعامل مع مشكلاتٍ اجتماعيةٍ، وبيئيةٍ شتى، سواء كانت عالمية، أو ضمن حدود البلدان التي تعمل فيها تلك الشركات، وكل ذلك في إطار ما يُعرَفُ بالمسؤولية الاجتماعية للشركات، ومن بين تلك الشركات شركةُ ألبيرتسون (Albertson's)، و كمبرلي-كلارك (Kimberly-Clark)، وشركة سيمنز (Siemens). ففي العام 2015، تبنّتِ الجمعيةُ العامة للأمم المتحدة، التي تضم ممثلين عن جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، قرارًا يتضمن 17 هدفًا من أهدافِ التنمية المستدامة، التي ترمي إلى القضاء على الفقر، وضمان الاستدامة، والازدهار لجميع الدول، وجرى الاتفاق على تحقيق تلك الأهداف السبعة عشر، صعبة المنال خلال الخمس عشرة سنةً التالية لاتخاذ ذلك القرار، وتلك الأهداف هي:

  1. القضاء على الفقر بجميع أشكاله في كل مكان.
  2. القضاء على الجوع، وتوفير الأمن الغذائي، والتغذية المحّسنة، وتعزيز الزراعة المستدامة، بإيجاد مسارات جديدة للتغذية، والزراعة، والنظم الغذائية.
  3. ضمان تمتع الجميع بأنماط عيش صحية وبالرفاهية في جميع الأعمار.
  4. ضمان التعليم الجيد المنصف، والشامل، وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع.
  5. تحقيق المساواة بين الجنسين، والتمكين لكل النساء، والفتيات.
  6. ضمان توافر المياه، وخدمات الصرف الصحي للجميع، وإدارتها إدارة مستدامة.
  7. ضمان حصول الجميع -بتكلفة ميسورة- على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة، والمستدامة.
  8. تعزيز النمو الاقتصادي المطرد، والشامل، والمستدام للجميع، والعمالة الكاملة، والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع.
  9. إقامة بُنًى تحتية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع الشامل للجميع، وتشجيع الابتكار.
  10. الحد من انعدام المساواة داخل البلدان، وفيما بينها.
  11. جعل المدن، والمستوطنات البشرية شاملة للجميع، وآمنة، وقادرة على الصمود والاستدامة.
  12. ضمان وجود أنماط استهلاك، وإنتاجٍ مستدامة.
  13. اتخاذ إجراءات عاجلة للتصدي لتغير المناخ، وآثاره.
  14. حفظ المحيطات، والبحار، والموارد البحرية، واستخدامها على نحو مستدام، لتحقيق التنمية المستدامة.
  15. حماية النظم الإيكولوجية البرّية، وترميمها، وتعزيز استخدامها على نحو مستدام، وإدارة الغابات على نحو مستدام -كذلك- ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي، وتحويل مساره، ووقف فقدان التنوع البيولوجي.
  16. لتشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة، لا يُهمّش فيها أحد، من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة، وخاضعة للمساءلة، وحاضنة للجميع، وعلى جميع المستويات.
  17. تعزيز وسائل التنفيذ، وتنشيط الشراكة العالمية؛ من أجل التنمية المستدامة.

وثمة اتجاهٌ حديثٌ تتكشف معالمه بسرعة؛ مفادُهُ أن أهمية المهاراتِ التقنيةَ، والإدارية في كل من الصين، والهند، باتت تفوق العمالة الرخيصة في هذين البلدين. وستبقى الصينُ مهيمنةً في مجال الصناعات الشاملة، وهي إحدى الدول القليلة التي تبني مصانعَ إلكترونياتٍ، وصناعاتٍ ثقيلةً مُدرَّةً للملياراتِ من الدولارات. أما الهند، فتُعدُّ قوةً صاعدةً في مجال البرمجيات، والتصميم، والخدمات، والصناعات الدقيقة.

ترجمة -وبتصرف- للفصل (Competing in the Global Marketplace) من كتاب introduction to business


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

لا توجد أية تعليقات بعد



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...