اذهب إلى المحتوى

لماذا بعت شركتي النّاشئة؟ ولماذا فضّلت أن أصبح غنيّا على أن أبقى ملكًا


أحمد الخطيب

لقد بعتُ شركتي، Smart Bear، في ديسمبر عام 2007. لم أتحدَّث عن الأمر قط على مُدوّنتي؛ وحان الوقت لأُفرِغ ما بجعبتي عن المسألة بأكملها. قد تعتقد أنَّ بيع شركةٍ ما تجربةٌ ساحرة ومثيرة، ولكنَّني فوجئت بردود الفعل التي واجهتُها.

من بين ما قيل لي:

- «كيف أمكنك بيع مشروعك الوليد؟ إنَّني مصدومٌ.»

- «اعتقدتُ بأنّك قلت بأنّ الأوضاع تسير على نحوٍ جيد.»

- «يالك من مُتخاذِل، كنتَ من الأشخاص الرائعين القلائل الّذين أعرفهم.»

من المثير للاهتمام أنّ 100% من ردود الفعل السلبية جاءت من أشخاصٍ لم يؤسِّسوا شركات خاصة بهم قط. ولكن لا يجعلهم ذلك على خطأ، كما لا يقلِّل من ألم وقعِ كلماتهم، خاصةً حين يكونون من أصدقائك.

الآن وبعد مرور عامين تقريبًا، يمكنني أن أفهم تمامًا لماذا كان «بيع مشروعي الوليد» هو الأمر الصحيح. آمل أن تثير عملية التفكير هذه اهتمامك وربما تكون مفيدة لك في حالة مواجهتك نفس الخيار، ولكن الحقيقة أنَّني فقط بحاجة إلى إزاحة هذا الأمر عن صدري.

أحتاج إلى توضيح الأمر لأولئك الّذين ما زالوا يعتبرونني مُتخاذِلًا

لقد سمعتَ على الأرجح عن ما قاله Naom Wasserman عن الخيار بين أن يكون المرء غنيًا أو ملكًا؛ فمؤسِّسو الشركات يؤسِّسونها إمَّا من أجل المال (ليصبحوا أغنياء) أو من أجل بناء أسلوب حياة وهويّة شخصية (ليصبحوا ملوكًا). لقد بُنِيَت كلّ الشركات المُموَّلة بالاستثمار المغامر لكي تصبح غنيّة.

يقول Noam أنّ المؤسِّسين الناجحين يتّخذون قرار «غنيّ أم مَلِك» مُقدَّمًا، وأنَّه على الرغم من عدم أهميَّة أي طريقٍ تختار، إلا أنَّ عليكَ أن تسير على نمطٍ متجانس في أفعالك، إذ لا يمكنك الجمع بين تكتيكات طريق أن تصير «مَلِكًا» وبين الأهداف النهائية لطريق أن تصبح «غنيًّا».

إلّا أنّني قد جمعتُ بين الطريقين ونجحتُ

من الجيد أن تكون «مَلِكًا»، ولكن ماذا ستفعل عندما تجلس في مطعم لتتناول طعامك؛ فينظر الرجل الجالس أمامك إلى عينيك ويعرض عليك مالًا يغنيك عن العمل بقية حياتك؟

لطالما كنتُ أسعى وراء المال، على هيئة عملية بيع الشّركة بصورةٍ خاصة. لقَّنَّا كلّ من جاء للعمل في شركة Smart Bear هذا الموقِف بكلمات محدَّدة، فقلتُ في أكثر من مناسبة: «نحن كالعاهرات البسيطات، سنفعل أي شيء للحصول على المال».

كان الربح هو معيار كل قرارٍ نتّخذه. على الرغم من أنَّه لطالما كان الهدف النهائي هو البيع، إلا أنَّ موقفي كان (وما يزال) أنَّ الطريقة الأفضل لبيع شركتك هي أن تكون مُربحةً. فالأرباح تثبت أن المشروع يعمل جيدًا، والأرباح تؤكِّد وجود سوق، والأرباح تجعل تحديد القيمة الدُنيا لشركتك سهلًا، والأرباح تعني أنَّ المُشترِي سيُحوِّل أموال الميزانيّة إلى أموال أرباح وخسارة صافية؛ وهي المُعامَلة التي ترغب كل شركة كبيرة في إجرائها.

والأهم من ذلك، أنَّ الأرباح تعني أنَّك لستَ بحاجة إلى البيع؛ ممَّا يمنحك القدرة على رفض الصفقات، إذ أنَّك إن لَم تملك الرفض فلن تتمتَّع سوى بالقليل من القدرة على التفاوض في أيَّة صفقةٍ.

على الجانب الآخر، كنتُ أعرف أنَّني لن أكون سعيدًا سوى ببناء شركة عظيمة أصليّة؛ حيث يحل المُنتَج مُشكلًا حقيقيًّا، وتُقدَّم للعملاء خدمة فاخرة، ويكون «الدعم الفني» هو قوَّة المبيعات الوحيدة، ونجعل العالم في حالةٍ أفضل ممّا وجدناه عليها، ويكون كل موظف ذكيًا، ومُنجِزًا، وموثوقًا به لاتِّخاذ أي قرار.

ورغبتُ في المُلحَقات المُصاحبة لإدارة شركةٍ التي تُصيب بتضخُّم الذات؛ فمن الرائع أن تقول في الحفلات: «أديرُ شركتي الخاصة». ألَّفتُ كتابًا انتشر انتشارًا واسعًا (في الرُكن الصغير الّذي أسكنه من العالم) لدرجة أنَّ الناس كانوا يطلبون منّي توقيعه. (كُنَّا نمنح الكتب مجّانًا، لذا كنت أقول بأن قيمة الكتاب ستتضاعف لمّا أوقّع عليه). عندما ذهبت إلى المعرض التجاري شعرتُ وكأنّني Norm بطل مسلسل Cheers؛ إذ كنتُ أعرف الجميع والجميع يعرفني. حظيتُ بفرصة تقديم عروض في أماكن رائعة مثل مؤتمر عالم أعمال البرمجيات الذي ينظمه Neil Davidson وJoel Spolsky.

وأكتبُ هذه التدوينة، مُستغلًّا بلا خجل حقيقة نجاح شركة Smart Bear (وشركتين أخرتين) في إقناعك بأنَّني أستحق أن يُقرأ ما أكتب.

باختصار، على الرغم من أنّ هدفي كان أن أصبح «غنيًّا»، إلّا أنّني حقَّقته من خلال التصرُّف وكأنّ الهدف أن أكون «مَلِكًا». لا أعلم لِمَ يجد الناس ذلك مُتناقِضًا، فالتصرُّف كمَلِك يعني في النهاية بناء مشروع مُستدام طويل الأمد، وهذا هو تحديدًا نوع المشاريع التي تُشتَرَى.

ولكن ما زلتُ بحاجة إلى توضيح سبب أنّ كَوْني أصبحتُ «مُتخاذِلًا» كان الخيار الصحيح، لأنّ دور «المَلِك» كان مُمتِعًا وكانت Smart Bear مُربِحة. أوَّل ما ينبغي فهمه هو العلاقة غير الخطيِّة بين «نقود المُدّخرات الشخصية» و«الحُريّة المالية».

كيف تؤثر ثروتك على نمط حياتك: التأثير ليس خطيًّا

 

ثمَّة خطٌ عندما تتجاوزه يمكن لمُدَّخراتك وحدها تمويل نمط حياة تَرِف بدرجةٍ معقولة. سأخاطر بأن أبدو مثل جورج بوش، وأقول إن هذا هو خط الحُريّة؛ الحُريّة من القيود المُحدِّدة لما يمكنك فعله بحياتك وأسرتك وحياتك المهنية.

ملاحظاتي

1. يُغيِّر الانتقال من يسار الخطِّ إلى يمينه حياتَك جذريًا؛ ويمنحك الحرية لفعل ما يسعدك، للأبد.

2. إذا كنتَ تتجاوز الخط من اليسار إلى اليمين، فلا يهم إلى أيِّ مدى ستصل. (بالتأكيد توفِّر 100 مليون دولار نمط حياة مختلفًا عمَّا توفِّره 10 ملايين دولار، ولكنَّه ليس تغيُّرًا حاسِمًا في نمط الحياة أو السعادة كالتغير المُتمثِّل فقط في تجاوُز الخَط).

كان رقم 1 هو ما عُرِضَ عليَّ في ذاك المطعم؛ ويعني رقم 2 أنَّ قيمة العَرض لم تكُن مهمة تقريبًا طالما أنها كبيرة بما يكفي. أزعجني الكثير من الناس فيما يتعلق بالرقم 2، وكانت حُجَّتهم المعتادة هي الآتي:

تنمو شركتك بنسبة 100% عامًا تلو الآخر، فهي مُربِحة وتُدِرُّ المال. لِمَ لا تنتظر عامًا آخر وتدع العوائد تتضاعف ثانيةً، ممَّا سيجعل قيمة الشركة أكبر بستّة أضعاف (بافتراض قيمة تقدّر بثلاثة أضعاف المداخيل، وهو رقم تقريبيّ معقول لشركةٍ برمجيات نامية)؟

هذا أفضل تشبيه وجدته للتعبير عن سبب كَوْن هذا التفّكير منقوصًا، وهو يُدعى لعبة الصناديق

تخيَّل أن هناك صندوقين مُعتمين، يحتوي الصندوق أ على 10 دولارات، أمّا الصندوق ب فهناك احتمالية بنسبة 50% أن يحتوي على 20 دولارًا، واحتمالية بنسبة 50% ألّا يحتوي على أي شيءٍ على الإطلاق. عليك اختيار أحدهما وأخذ ما بداخله؛ أيُّ الصندوقين ستختار؟

ليس هناك أي فرق بالتأكيد من الناحية الإحصائيّة، إذًا فهذا السؤال ليس مُتعلِّقًا بالرياضيات أو الاقتصاد أو الذكاء، بل هو مقياس لموقفك من المخاطرة. يختار معظم الناس الصندوق ب، فالفرق بين 10 دولارات و20 دولارًا فرقٌ تافهٌ على أيَّة حال، والأكثر مُتعةً وإثارةً هو اختيار الصندوق ب. ولكن ماذا إذا كانت الأرقام مختلفة؟

الآن يحتوي الصندوق أ على 5 ملايين دولار، والصندوق ب إمَّا يحتوي على 10 ملايين أو لا شيء على الإطلاق، والنسبة 50/50؛ أيُّهما ستختار؟

ستختار الصندوق أ بالطبع! لأنّه ينقلك من يسار الخَطّ إلى يمينه، ولأن «فرصة الانتقال أكثر قليلًا» لا تستحقُّ التخلي عن يقينيَّة ذلك الحدث الَّذي سيُغيِّر حياتك. كانت هذه حُجّتي الداعمة لرقم 2 والمناهضة لنظرية «لننتظر ونرى ما سيحدث»؛ لهذا بِعتُ الشركة.

اتَّضحت صحَّة خياري على نحوٍ أليم في حالتي بسبب الأزمة الاقتصادية لعام 2008، إذا كنتُ قد انتظرتُ «عامًا آخر والمزيد من المال» -الصندوق ب- كنتُ سأجد صندوقًا فارغًا.

أعرفُ أنَّ تلك حقيقةٌ؛ فقد عُرِضَت صفقة على شركة أخرى (لا يمكنني التصريح باسمها للأسف) في نفس وقت صفقتي. أراد هذا المؤسِّس المخاطرة واختار الصندوق ب وأخَّر المُشتَرِي، مرَّ نصف عام ولم تنمُ العوائد، فرفض المُشتَرِي الصفقة. بعد أشهرٍ، وعندما كان الكساد يلوح في الأفق، حاول المؤسِّس الاتصال بالمُشتَرِي ثانيةً، راغبًا هذه المرَّة في قبول عرضٍ قليل، رفض المُشتَرِي؛ فقد فات الأوان.

هناك من لا ينطبق عليهم هذا الحساب لأنّهم يريدون أن يصبحوا «ملوكًا» مهما كان الثمن. أراهن أنَّ Jason Fried لن يبيع شركة37signals مقابل 100 مليون، وأنَّ Joel Spolsky لن يبيع شركة FogCreek. هل Joel وJason غير عقلانيين؟ بالطبع لا، كما لم أكُن أنا غير عقلاني أيضًا.

بدءًا من ديسمبر 2007 أصبحت لديَّ الحرية في العمل على أي مشروع أريد لبقية حياتي، بينما أستطيع الإنفاق على أسرتي في الوقت ذاته، دون أن أقلق ثانيةً أبدًا بشأن الفواتير، أو الديون، أو امتلاك مأوى، أو إرسال ابنتنا إلى أي جامعة تريدها. يمكنني المكوث في المنزل مع زوجتي وطفلتي الصغيرة بقدر ما أرغب، مستمتعًا بكل الوقت الثمين، والتجارب، والذكريات التي يُقال أنَّ المال لا يستطيع شراءها. ولكنَّه بضمانه تلك الحرية، فإنَّه يستطيع. وقد فعلتُ ذلك بتجاوز ذلك الخط.

 

ترجمة -وبتصرّف- للمقال: Rich vs. King in the Real World: Why I sold my company لصاحبه Jason Cohen


تفاعل الأعضاء

أفضل التعليقات

بدءًا من ديسمبر 2007 أصبحت لديَّ الحرية في العمل على أي مشروع أريد لبقية حياتي، بينما أستطيع الإنفاق على أسرتي في الوقت ذاته، دون أن أقلق ثانيةً أبدًا بشأن الفواتير، أو الديون، أو امتلاك مأوى، أو إرسال ابنتنا إلى أي جامعة تريدها. يمكنني المكوث في المنزل مع زوجتي وطفلتي الصغيرة بقدر ما أرغب، مستمتعًا بكل الوقت الثمين، والتجارب، والذكريات التي يُقال أنَّ المال لا يستطيع شراءها. ولكنَّه بضمانه تلك الحرية، فإنَّه يستطيع. وقد فعلتُ ذلك بتجاوز ذلك الخط.

أحد معوقاتنا في الوطن العربي هذا الموضوع الفواتير و الديون و امتلاك المأوى 
نعمل لنعيش و ليس لنبدع
أحاول أن أصل لنفس النقطة التي وصل إليها أن لا أقلق من الديون و الفواتير 

عندها أجد نفسي قادرا على الإبداع  

رابط هذا التعليق
شارك على الشبكات الإجتماعية



انضم إلى النقاش

يمكنك أن تنشر الآن وتسجل لاحقًا. إذا كان لديك حساب، فسجل الدخول الآن لتنشر باسم حسابك.

زائر
أضف تعليق

×   لقد أضفت محتوى بخط أو تنسيق مختلف.   Restore formatting

  Only 75 emoji are allowed.

×   Your link has been automatically embedded.   Display as a link instead

×   جرى استعادة المحتوى السابق..   امسح المحرر

×   You cannot paste images directly. Upload or insert images from URL.


×
×
  • أضف...